ياسمين أيمن

عمّقت أزمة "مصنع البطاريات" فجوة الثقة بين واشنطن وسيول، بعدما تحولت من حادث قانوني إلى مؤشر على اختلال ميزان العلاقة بين الحليفين. فاعتقال مئات الكوريين الجنوبيين العاملين في مشروع مشترك تابع لشركتي "هيونداي" و"إل جي" في مقاطعة براين، وذلك على خلفية اتهامات بأن نشاطهم الميداني في موقع البناء قد تجاوز الصلاحيات الممنوحة بموجب التأشيرة، مما أثار جدلاً واسعاً بشأن تفسير قوانين الهجرة في مثل هذه الحالات، وقد أثار الحادث مخاوف جدية في سيول بشأن جدوى التعاون التجاري الكوري الجنوبي مع واشنطن.كما عزز الانطباع بأن التحالف بين الجانبين يقوم على اعتماد غير متكافئ أكثر مما يقوم على تفاهم متبادل، وفي هذا السياق يسعى هذا التحليل إلى مناقشة تداعيات الأزمة على العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وسيول.&nbsp;تداعيات الأزمةمن المتوقع أن تؤدي تحركات إدارة الرئيس ترامب المتعلقة بالهجرة وإصدار تأشيرات العاملين إلى مجموعة من التداعيات على العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ويمكن بيان هذه التداعيات على النحو التالي:1- الإضرار بالاتفاق التجاري بين واشنطن وسيول: نجحت كلٌّ من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في التوصل إلى اتفاق تجاري في شهر يوليو من عام 2025، تضمن خفض معدل الرسوم الجمركية على السيارات الكورية من خمسة وعشرين بالمائة إلى خمسة عشر بالمائة، إضافة إلى خفض معدل الرسوم الجمركية المتبادلة إلى خمسة عشر بالمائة بدلاً من خمسة وعشرين بالمائة التي أعلنتها إدارة ترامب في البداية. كما تضمن الاتفاق تعهد سيول بتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة تصل إلى <a href="https://www.nytimes.com/2025/09/06/us/immigration-raid-georgia.html" rel="noopener noreferrer" target="_blank">ثلاثمائة وخمسين مليار دولار أمريكي</a> في مجالات متعددة، من بينها المجالات التكنولوجية. غير أن حادث المداهمة الأخير قد يُلقي بظلال سلبية على مستقبل هذه الاستثمارات. وقد صرّح الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج بأن المداهمات التي تعرض لها العمال الكوريون الجنوبيون ستؤدي إلى تداعيات سلبية مستقبلية على الاستثمارات، موضحاً أن الشركات الكورية الجنوبية "ستتردد" في ضخ استثمارات جديدة في الولايات المتحدة في ظل هذه المخاطر. وفي ضوء هذه التطورات، توجّه وزير الخارجية الكوري الجنوبي تشو هيون إلى واشنطن لإجراء محادثات حول آلية عمل نظام التأشيرات الخاصة بالاستثمارات في الولايات المتحدة، بعد أن أثار الحادث جدلاً واسعاً داخل <a href="https://www.dw.com/en/south-korea-says-immigration-raid-could-impact-us-investment/a-73956067" rel="noopener noreferrer" target="_blank">كوريا الجنوبية</a>.2- تخوفات سيول من الاستثمار في الولايات المتحدة: تُعَدّ كوريا الجنوبية شريكاً تجارياً مهماً للولايات المتحدة، وكان بإمكانها أن تسهم بشكل كبير في تحقيق طموحات الرئيس ترامب المتعلقة بجلب المزيد من الاستثمارات إلى الداخل الأمريكي وخلق فرص عمل جديدة. غير أن القيود التي تفرضها الإدارة الأمريكية، سواء عبر تضييق شروط التأشيرات، أو عبر المداهمات المتكررة لمصانع استراتيجية مثل مصنع جورجيا؛ قد خلقت حالة من انعدام اليقين لدى المستثمرين. فالمصنع المشترك بين شركتي إل جي إنرجي سولوشن وهيونداي موتور كان يمثل مشروعاً حيوياً، إلا أن استمرار هذه السياسات التنفيذية المتقلبة يجعل المستثمرين غير قادرين على ضمان استقرار بيئة الأعمال. وقد صدرت تفسيرات رسمية أمريكية تشير إلى أن المداهمات تمت بناءً على مزاعم تتعلق بتوظيف "<a href="https://www.nytimes.com/2025/09/06/us/immigration-raid-georgia.html" rel="noopener noreferrer" target="_blank">عمالة غير مصرح لها</a>" بالعمل، والاستفادة من المزايا المخصصة للشركات دون وجه حق.غير أنه في أكتوبر 2025، تم التوصل <a href="https://www.nytimes.com/2025/10/01/world/asia/south-korea-georgia-factory-visa.html" rel="noopener noreferrer" target="_blank">لاتفاق</a> بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة سيتم السماح بموجبه لعمال كوريا الجنوبية بالعمل في بناء المصانع بالولايات المتحدة استناداً إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة الخاص ببناء المصانع الأمريكية، كما سيتم السماح لهم بالحصول على تأشيرات عمل قصيرة الأجل من الفئة B-1، وسيتم افتتاح مكتب خاص في السفارة الأمريكية في كوريا الجنوبية لتسهيل عملية منح المهندسين الكوريين الجنوبيين تأشيرات للعمل في واشنطن.3- تكثيف المفاوضات لضمان مكاسب متبادلة: لم يصل الأمر إلى حد حدوث أزمة دبلوماسية مفتوحة بين البلدين، غير أن الحادث أدى إلى تكثيف وتيرة المفاوضات بين الجانبين. فقد واصل كبير المفاوضين التجاريين لكوريا الجنوبية محادثاته في واشنطن بشأن الاستثمارات التي تبلغ قيمتها ثلاثمائة وخمسين مليار دولار أمريكي. كما جرت لقاءات بين وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك ووزير الصناعة الكوري كيم جونج كوان، وكذلك بين وزيرة التجارة الكورية يو هان كو والممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير خلال شهر سبتمبر 2025. وتركزت المحادثات على ضرورة خفض الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الكورية وقطع الغيار، والتي ما زالت تفوق مثيلاتها اليابانية. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس ترامب لم يوقع بعد على الأمر التنفيذي الذي ينص على خفض هذه الرسوم إلى خمسة عشر بالمائة. وتسعى سيول إلى معالجة هذا الملف، بينما تطالب واشنطن برفع قيمة الاستثمارات الكورية إلى خمسمائة وخمسين مليار دولار أسوة باليابان، وهو ما تعتبره كوريا الجنوبية أمراً غير مقبول نظراً للتفاوت الكبير في <a href="https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-09-17/korea-us-trade-talks-remain-in-deadlock-after-raid-fuels-tension" rel="noopener noreferrer" target="_blank">حجم الاقتصادين الكوري والياباني</a>، مع وجود أحاديث حول أنها قد تقبل بالرسوم البالغة 25% بدلاً من الاستثمارات التي تصل إلى 350 مليار دولار التي ستتسبب في خسائر للناتج المحلي الإجمالي لسيول. ولكن حتى <a href="https://www.reuters.com/world/asia-pacific/south-korea-foreign-minister-says-rough-agreement-security-reached-with-us-2025-10-01/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">أكتوبر2025</a>، لم يتم التوصل لاتفاق تجاري مفصل بشأن الاستثمارات، والذي من المتوقع أن يأخذ وقتاً أطول إلى حين التوافق عليه.4- زيادة حدة العداء في كوريا الجنوبية تجاه واشنطن: أدت سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه المهاجرين، وخطابه تجاه كوريا الجنوبية وغيرها من الدول، إلى زيادة مستويات العداء داخل المجتمع الكوري تجاه الولايات المتحدة. ويظهر ذلك بوضوح في انعكاساته السلبية على الاستعدادات الاستثمارية للشركات الكورية العملاقة. فعلى سبيل المثال، <a href="https://www.washingtonpost.com/world/2025/09/08/south-korea-us-immigration-raid-tensions/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">استثمرت</a> شركة هيونداي ما يقارب عشرين ملياراً وخمسمائة مليون دولار أمريكي، وكانت تخطط لاستثمار واحد وعشرين مليار دولار إضافية بين عامي 2025 و2028، مستفيدة من الإعفاءات الضريبية التي أقرتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن بموجب قانون الرقائق والعلوم لدعم صناعة أشباه الموصلات. غير أن سياسات الرئيس ترامب، ولا سيما الرسوم الجمركية التي فرضها، تسببت في تكاليف إضافية على الشركة بلغت <a href="https://www.washingtonpost.com/world/2025/09/08/south-korea-us-immigration-raid-tensions/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">أكثر من ستمائة مليون</a> دولار خلال الربع الثاني من عام 2025، وهو ما يضعف فرص توسعها الاستثماري في المستقبل، مع <a href="https://thediplomat.com/2025/09/the-hyundai-raid-reflects-a-broken-us-immigration-system/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">رفض</a> لذهاب العمال والمهندسين للعمل إلى واشنطن في ضوء الظروف القاسية التي تعرض لها نظراؤهم في الولايات المتحدة.5- توتر العلاقات مع شريك رئيسي في منطقة "الهندوباسفيك": تستضيف كوريا الجنوبية، بموجب معاهدة موقعة مع الولايات المتحدة، واحدة من <a href="https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2018/06/29/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%AF%D8%B4%D9%86-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D8%A8%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9" rel="noopener noreferrer" target="_blank">أكبر</a> القواعد العسكرية الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية، وتضم ما يقارب ثمانية وعشرين ألفاً وخمسمائة جندي أمريكي. ويمثل هذا الوجود العسكري ضمانة لأمن كوريا الجنوبية في مواجهة التهديد النووي من جارتها كوريا الشمالية. ومع ذلك، فإن السياسات الأخيرة قد تدفع سيول إلى تنويع تحالفاتها الدولية لتأمين نفسها، وهو ما قد يضعف النفوذ الأمريكي في منطقة "الهندوباسفيك" في وقت تعتبر فيه الصين العدو الأول لواشنطن.6- تراجع قدرة واشنطن في مجال أشباه الموصلات: تسعى الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس جو بايدن إلى تعزيز قدرتها التكنولوجية في مجال <a href="https://thediplomat.com/2025/09/the-hyundai-raid-reflects-a-broken-us-immigration-system/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">أشباه الموصلات</a> من خلال استثمارات ضخمة بلغت قيمتها اثنين وخمسين مليار دولار أمريكي، في محاولة لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الآسيوية، والتفوق على الصين التي تسيطر على 77% من سوق إنتاج البطاريات عالمياً. غير أن السياسات الحالية لإدارة ترامب في مجال الهجرة تعرقل عملية التعاون مع كوريا الجنوبية في هذا المجال الحيوي. كما أن التأخير الكبير في إصدار تأشيرات العمل، الذي يتراوح بين ستة أشهر وثمانية عشر شهراً، يدفع الشركات إلى البحث عن بدائل غير مناسبة، مما يضعف قدرة الولايات المتحدة على الريادة التكنولوجية.الاحتواء المؤقتخلاصة القول، إن السياسات الصارمة التي تنتهجها إدارة الرئيس ترامب في ملف الهجرة تتناقض مع طموحاته الاقتصادية المعلنة داخل الولايات المتحدة. كما أنها تقوض صورة الولايات المتحدة كـ"أرض الأحلام" التي تحتضن المهاجرين من شتى أنحاء العالم لتحقيق النجاح والإسهام في تقدمها. ورغم أن كوريا الجنوبية في المرحلة الراهنة لن تقدم على خسارة شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن أو التخلي عن علاقاتها التجارية معها، بالنظر إلى أهمية السوق الأمريكية بالنسبة للمنتجات الكورية التكنولوجية على وجه الخصوص، فإنها ستلجأ إلى استراتيجية "الاحتواء المؤقت" في التعامل مع إدارة ترامب حتى انتهاء ولايته، في ظل صعوبة التنبؤ بقراراته. أما على المدى البعيد، فإن الاستثمار في الولايات المتحدة سيخضع لحسابات مختلفة تماماً، تتأثر بالتخوف من التغيرات المستمرة في القوانين والأنظمة المتعلقة بالهجرة، وما تسببه من أضرار مباشرة للمستثمرين، في وقت يواصل فيه الرئيس ترامب مساعيه لتقويض سلطات المؤسسات الفيدرالية الأمريكية، وإزاحة المسؤولين الذين يتعارضون مع سياساته.

كيف عمقت أزمة "مصنع البطاريات" الانقسام بين واشنطن وسيول؟