د. أحمد عسكر

استطاع المرشح الرئاسي باسيرو ديوماي فاي حسم الانتخابات الرئاسية السنغالية التنافسية التي انطلقت في 24 مارس 2024، ليصبح الرئيس الخامس للبلاد، بعدما أكدت المؤشرات الأولية للنتائج تفوقه على منافسه الرئيسي أمادو با مرشح الائتلاف الحاكم، الذي اعترف هو وحليفه الرئيس ماكي سال بفوز باسيرو في الانتخابات؛ وذلك بعد حصول فاي على نسبة 57.4% من إجمالي أصوات الناخبين، مقابل 31.9% لصالح منافسه أمادو با، وهو ما يمثل لحظة حاسمة في التاريخ السياسي للبلاد التي تنتظر حقبة جديدة تحت ولاية باسيرو فاي ممثل المعارضة السياسية التي لطالما سعت إلى الإطاحة بنظام ماكي سال.ويأتي السباق الانتخابي وسط مشهد سياسي يتسم بدرجة كبيرة من التعقيد؛ وذلك في ضوء ارتباك داخلي بالنظام الحاكم، وخلاف سياسي مع المعارضة بقيادة "عثمان سونكو" الذي أُفرج عنه قبل أيام من إجراء الانتخابات بموجب قانون العفو العام الذي أقرَّه البرلمان السنغالي مؤخراً، في محاولة من النظام الحاكم لتخفيف حدة الاستقطاب السياسي خلال الفترة الأخيرة، خاصةً بعدما قرر الرئيس سال تأجيل الانتخابات التي كان مقرراً لها في 25 فبراير 2025، قبل أن يعلن المجلس الدستوري السنغالي موعداً جديداً لإجرائها قبل خروج الرئيس سال من السلطة بموجب الدستور في 2 أبريل 2024 عقب انتهاء ولايته الثانية.وتستمر حالة الترقب الدولي لتطورات الأوضاع في المشهد السنغالي خوفاً من توتر السياق الأمني الداخلي من جراء اشتباكات محتملة بين مؤيدي السلطة والمعارضة، عقب إعلان النتائج النهائية للانتخابات، وهو ما قد يهدد النموذج الديمقراطي للسنغال الذي يُحتذَى به في غرب أفريقيا والقارة بشكل عام لسنوات طويلة؛ الأمر الذي يعزز حالة القلق الدولي حول مستقبل الدولة السنغالية في ظل التكهنات برفض الطرف المنهزم نتائج الانتخابات، لتنزلق البلاد في أزمة سياسية وأمنية محتملة ربما تهدد أمنها واستقرارها باعتبارها واحة استقرار في منطقة مضطربة منذ سنوات.تنافس محتدميحمل السياق الانتخابي في المشهد السنغالي عدداً من المؤشرات يمكن رصدها خلال سير العملية الانتخابية في أنحاء البلاد، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– محدودية مخالفات عملية التصويت: أشارت السلطات السنغالية إلى أحقية نحو 7 ملايين و371 ألفاً و890 ناخباً سنغالياً في المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وهم موزعون على نحو 15 ألفاً و633 مركز اقتراع في أنحاء البلاد، و807 مراكز اقتراع في الخارج. وتشير العديد من التقارير إلى أن العملية الانتخابية قد اتسمت بالهدوء منذ بدايتها، في ظل توافر المعدات اللوجستية اللازمة لها؛ حيث لم تظهر أي توترات أمنية في مراكز الاقتراع، كما أشارت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، عقب غلق مراكز الاقتراع، إلى عدم وجود أي معوقات واجهت سير عملية التصويت التي جرت بطريقة سلمية.ومع ذلك، برزت بعض المخالفات التي شابت العملية الانتخابية؛ حيث أشارت تقارير إلى وجود بطاقات اقتراع سنغالية بحوزة مواطنين من غينيا بيساو في منطقة زيجينشور، وسط اتهامات للحزب الحاكم السنغالي بتهريب الناخبين من الدول المجاورة؛ بهدف دعم مرشحه الرئاسي في الانتخابات، إضافةً إلى غياب بطاقة الاقتراع الخاصة بالمرشح داوودا نداي في أحد مراكز الاقتراع بمنطقة بيكين؛ ما أدى إلى تعطيل عملية التصويت، وهو ما دفع المرشح للتنديد بما سماها مخالفات متعددة خلال عملية التصويت.2– محاولات لتحجيم العنف الانتخابي: حرصت الحكومة السنغالية على استقرار الأوضاع الأمنية خلال العملية الانتخابية، وهو ما تجلى في تحذير محمد مختار سيسي وزير الداخلية السنغالي، من أي محاولات قد تؤدي إلى العنف وتهديد السلم المجتمعي، كما أشار إلى أن يوم التصويت يجب أن يكون يوماً للتنفس الديمقراطي. ولم تُشِر أي تقارير إلى وقوع أي أعمال شغب خلال سير العملية الانتخابية؛ ما يعكس يقظة القوات الأمنية التي أشرفت على تأمين الانتخابات، والتي وصل عددها إلى 50 ألف عنصر. وفي السياق ذاته، حذر الرئيس ماكي سال المرشحين والأحزاب السياسية من إعلان الفوز قبل إعلان النتائج رسمياً، وأن المجلس الدستوري وحده هو المخول بإعلان النتائج النهائية؛ وذلك بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار في البلاد.3– مراقبة محلية ودولية واسعة للانتخابات: شهدت الانتخابات السنغالية التي كلَّف تنظيمها نحو 14 مليار فرنك أفريقي، مشاركة واسعة من قبل المراقبين المحليين والدوليين؛ حيث أكد ثينديلا فال المدير العام للانتخابات، اعتماد نحو 1568 مراقباً وطنيّاً، و899 مراقباً دوليّاً للانتخابات الرئاسية؛ ما دعا المسؤولين السنغاليين إلى محاولة طمأنة الرأي العام السنغالي بأن العملية الانتخابية تتمتع بدرجة عالية من الشفافية.4– فوز باسيرو بالانتخابات حسب مؤشرات النتائج الأولية: وذلك بعد فرز عدد كبير من اللجان؛ حيث تشير النتائج إلى حصول باسيرو على نسبة 57.4% من إجمالي أصوات الناخبين، يليه في المرتبة الثانية مرشح الحزب الحاكم أمادو با بحصوله على 31.9% من الأصوات، بينما جاء المرشح أليو مامادو ضياء في المرتبة الثالثة بنسبة لا تتجاوز 2%.وتجدر الإشارة إلى أن مرشح المعارضة نجح في تحقيق تقدم ملحوظ في لجان الاقتراع بالخارج. وتشير بعض نتائج التصويت للمقيمين في الخارج إلى تقدم باسيرو فاي في كلٍّ من السعودية "الرياض وجدة"، والإمارات "دبي"، وتركيا، وإيطاليا "ميلان"، وفنلندا، كما يحرز تفوقاً في النتائج الأولية الصادرة عن لجان الاقتراع بدول شمال وغرب أفريقيا، لا سيما المغرب، على حساب منافسه الرئيسي أمادو با. وتُعبِّر النتائج الأولية في الخارج عن التوجه العام للناخبين في الداخل والخارج/ وتعكس تطلعات الشعب السنغالي إلى التغيير السياسي بعيداً عن النظام الحاكم.5– دعم "عثمان سونكو" لمرشح المعارضة: تنظر المعارضة السنغالية إلى هذه الانتخابات باعتبارها فرصة ذهبية للوصول إلى السلطة، في ظل تراجع شعبية وشرعية النظام الحاكم ومرشحه الرئيسي في الانتخابات؛ ما يعزز فرص مرشح المعارضة في الفوز بها؛ فقد أكد المعارض البارز عثمان سونكو، خلال مشاركته في التصويت، ثقته بفوز مرشح المعارضة باسيرو فاي وانتخابه رئيساً للبلاد من الجولة الأولى، لا سيما في ظل التدفق الكبير للشباب والنساء وكبار السن للتصويت في مراكز الاقتراع، كما توقع سونكو أن يفوز باسيرو بنسبة أكبر من 50% من إجمالي أصوات الناخبين عقب انتهاء عملية الاقتراع.6– حشد الرئيس ماكي سال لمرشحه المفضل أمادو با: يُنظَر إلى الرئيس سال باعتباره القوة الدافعة وراء مرشحه المفضل أمادو با في الانتخابات الرئاسية، باعتباره مرشح الائتلاف الحاكم؛ فقد وجه بتسخير كافة الإمكانات المادية لدعم با؛ وذلك في مواجهة باسيرو ديوماي فاي مرشح حزب باستيف المعارض الذي يقوده عثمان سونكو الداعم بقوة له من أجل الإطاحة بمرشح النظام الحاكم في هذه الانتخابات، وهو ما نجح فيه بالفعل، بعد ما أشارت إليه النتائج الأولية.7– تحقيق نسبة مشاركة شعبية معقولة: أفاد رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في السنغال "عبد الله سيلا"، في بيانٍ يوم 25 مارس الجاري، بارتفاع نسب المشاركة في الانتخابات التي جرت يوم الأحد، إلى 60%؛ حيث وصلت نسبة المشاركة في داكار فقط إلى 42%، فيما تم الإبلاغ عن معدلات مماثلة في جميع أنحاء البلاد.8– إقبال الناخبين في الشتات على المشاركة: أفادت تقارير بمشاركة واسعة للجالية السنغالية في عدد من الدول الغربية، لا سيما فرنسا، في عملية التصويت لاختيار رئيس جديد للبلاد. ومع ذلك، لم تتمكن بعض الجاليات السنغالية في دول الصين واليابان وكوريا الجنوبية من التصويت، بالرغم من تصويت الجالية السنغالية في الصين في انتخابات الرئاسة عام 2019؛ ما أثار المزيد من الجدل في ضوء غياب تفسير واضح من الحكومة السنغالية في هذا الصدد.9– تعهُّد الحكومة بقبول نتائج الانتخابات: أشار محمد مختار سيسي وزير الداخلية السنغالي، إلى أن نتيجة الانتخابات ستكون صادقة، ولن يتم الطعن فيها وفقاً لتوجيهات الرئيس ماكي سال، وهو ما قد يشير إلى احتمال انتقال سلمي سلس للسلطة في حالة تأكيد فوز مرشح المعارضة باسيرو فاي بالانتخابات الرئاسية، لا سيما أن المؤشرات الأولية تؤكد تفوقه عن أقرب منافسيه (أمادو با)، وهو ما تجلى في تهنئة كل من أمادو با وماكي سال للرئيس الجديد باسيرو فاي عقب تفوقه في الجولة الأولى للانتخابات بفارق كبير عن منافسه با.تداعيات محتملةيعيد فوز باسيرو فاي في الانتخابات الرئاسية، وفق مؤشرات النتائج الأولية، تشكيل المشهد السياسي السنغالي من جديد، ويحمل المزيد من التداعيات خلال الفترة المقبلة، ويتمثل أبرزها في:1– تحركات المعارضة للحفاظ على فوز باسيرو: يظل تخوف المعارضة قائماً من أي محاولات محتملة لعرقلة صعود باسيرو إلى سدة الحكم؛ ما قد يدفع أنصار باسيرو وسونكو إلى استمرار الاحتفالات بالفوز بالانتخابات في الشوارع حتى الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.2– قبول الحزب الحاكم بنتائج الانتخابات: من المتوقع ألا يغامر الائتلاف الحاكم برفض نتائج الانتخابات، خاصةً بعد اعتراف الرئيس ماكي سال بهزيمة مرشح الائتلاف؛ وذلك بسبب الخوف من انزلاق البلاد في أزمة سياسية وأمنية جديدة قد تهدد أمنها واستقرارها، كما أن المجتمع الدولي لن يسمح بتدهور الأوضاع في الداخل السنغالي، باعتبارها ركيزة أساسية للديمقراطية في غرب أفريقيا.3– التوجه للقضاء للطعن في نتائج الانتخابات: من المرجح أن يتوجه بعض أنصار الحزب الحاكم السنغالي وعدد من المرشحين الرئاسيين إلى المحكمة العليا للطعن في شرعية نتائج الانتخابات الرئاسية؛ وذلك في محاولة للتشكيك في فوز المعارضة بالسباق الانتخابي الأخير.4– تفادي التوترات الأمنية في البلاد: قد يدفع اعتراف كلٍّ من الرئيس ماكي سال والمرشح أمادو با بفوز باسيرو فاي بمنصب الرئيس، أنصار الائتلاف الحاكم إلى عدم الخروج في تظاهرات حاشدة لرفض نتائج الانتخابات، وهو ما يسهم في منع تزايد التوترات الأمنية في المشهد السياسي الداخلي؛ حفاظاً على أمن واستقرار البلاد خلال المرحلة المقبلة.6– احتمالية تهديد النفوذ الغربي في السنغال: ربما يسعى مرشح المعارضة إلى تبني سياسات صدامية مع النفوذ الغربي داخل السنغال، وخاصةً النفوذ الفرنسي؛ حيث أعلن باسيرو فاي في حملته عن برنامج إصلاح نقدي يستهدف إنهاء سيطرة الفرنك الأفريقي، وإقامة عملة سنغالية خاصة، وهو ما يعني تقليل النفوذ الفرنسي داخل السنغال، كما وعد فاي بمراجعة اتفاقيات الدفاع الخاصة بالسنغال مع الدول الأخرى.6– محاولة الدول الغربية تهدئة التوترات مع مرشح المعارضة: يحرص الغرب، لا سيما فرنسا، على تعزيز العلاقات مع السنغال؛ نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية في غرب أفريقيا، باعتبارها ركيزة للاستقرار الإقليمي هناك، ومع صعود مرشح المعارضة إلى السلطة، يتوقع أن تسعى القوى الغربية إلى فتح قنوات اتصال مع الرئيس الجديد؛ لتطوير العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.إجمالاً، تبدو السنغال على أعتاب مرحلة جديدة مع صعود رئيس جديد ينتمي إلى المعارضة السياسية إلى سدة الحكم، وطي صفحة نظام الرئيس ماكي سال في البلاد. وينتظر باسيرو تركة مثقلة من التحديات التي تواجه ولايته الأولى في الحكم؛ ما يمثل اختباراً صعباً للمعارضة السياسية في تقديم مشروعها البديل لكي تنتقل السنغال إلى مرحلة جديدة تستطيع خلالها تجاوز كل أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية خلال الفترة المقبلة.

دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية السنغالية