ياسمين أيمن

تنتهج الولايات المتحدة الأمريكية، منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، نهجاً غير مستقر في التعامل مع الأزمة السورية؛ فهي لا تتردد في توجيه ضربات جوية لبعض المناطق إذا استشعرت تهديد بعض الجماعات والفصائل المتعارضة أو قوات موالية لروسيا أو إيران أو الأسد لمصالحها، حتى لو طالت تلك الضربات المدنيين، كما أنها دعمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تضم عدداً كبيراً من الأكراد، لكنها مع ذلك رفضت رفضاً باتاً التطبيع مع نظام بشار الأسد أو الجماعات والفصائل السورية المنتمية إلى تنظيم القاعدة (هيئة تحرير الشام)، ولكن بالنظر إلى مستجدات الوضع السوري الراهن، فإن هناك سيناريوهات مختلفة تتعلق بطبيعة تعامل واشنطن مع الفصائل المسلحة الحاكمة في الوقت الراهن.وبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تثار التساؤلات في الوقت الحالي عن آلية تعامل الولايات المتحدة مع التنظيمات المسلحة المصنفة على أنها جماعات إرهابية أجنبية في سوريا؛ حيث يتم الحديث عن احتمالية رفعها من قائمة التنظيمات الإرهابية، لا سيَّما أنها تحكم المشهد الراهن في سوريا التي تمتلك واشنطن بها مصالح متعددة. ومع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب سدة الحكم في العشرين من يناير القادم، فإن هناك مجموعة من الأسباب قد تدفع واشنطن إلى رفع هيئة تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهو أمر إذا تحقق فإنه يقع تحت سلطة وزير الخارجية الأمريكي، ولكن بعد مداولات ونقاشات مع مسؤولي الأمن القومي.عوامل محفزةهناك مجموعة من العوامل قد تدفع الولايات المتحدة إلى رفع هيئة تحرير الشام من تصنيف التنظيمات الإرهابية الأجنبية. وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه العوامل:1– التواصل مع القوى الحاكمة في سوريا لحماية المصالح الأمريكية: أشار دونالد ترامب، في تصريحاته المختلفة، إلى أن سوريا تعيش حالة من "الفوضى"، ولا ينبغي لواشنطن أن تتدخل في هذا الأمر؛ لأنه لن يكون هناك طائل من ورائه. ولامتلاك الولايات المتحدة مصالح في سوريا، فإنها سيكون عليها إيجاد آلية يمكن من خلالها التعامل مع هيئة تحرير الشام الحاكمة في الوقت الراهن. وقد أشار بعض المسؤولين الفيدراليين الحاليين، فضلاً عن المشرعين داخل الكونجرس، إلى أن هناك إمكانية لرفع الجماعة من تصنيفات التنظيمات الإرهابية.2– الحيلولة دون تنامي التطرف والإرهاب في سوريا: قد تدفع الولايات المتحدة بخطوة رفع هيئة تحرير الشام من التنظيمات الإرهابية بغرض الحيلولة دون تنامي التطرف والإرهاب داخل سوريا، ومنع الجماعة من الإقدام على ممارسة جرائم إرهابية بحق الشعب السوري، أو تصاعد رغبتها في الانتقام من واشنطن على غرار بقية التنظيمات الإرهابية. وفي ضوء الرغبة في الحفاظ على المصالح الأمريكية، ومنع تنامي التطرف، قد تدفع الولايات المتحدة نحو التعامل مع هذه الجماعة الحاكمة لسوريا الآن، خاصة أن أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام قد أعلن في عام 2016 انفصاله عن تنظيم القاعدة، ووصف نفسه بأنه "جماعة معارِضة لنظام الأسد".3– الحفاظ على مصالح إسرائيل في سوريا: قد تتجه الولايات المتحدة نحو تطبيع العلاقات مع هيئة تحرير الشام؛ بسبب رغبتها في الحفاظ على المصالح الإسرائيلية في المنطقة وداخل سوريا؛ حيث استغلت تل بيب سقوط نظام الأسد، ووجهت ضربات جوية نجحت خلالها في تدمير 70% من القوة العسكرية السورية، كما احتلت منطقة جبل الشيخ، وتقدَّمت باتجاه العاصمة دمشق، معلنةً عن احتلالها هذه الأراضي، وهو مؤشر على أن إسرائيل ستتوغل بدرجة أكبر خلال الفترة القادمة داخل الأراضي السورية. وبما أن واشنطن تحت إدارة ترامب ستدعم، وبلا شك، تلك التوغلات، خاصة أن وجود إسرائيل يحمي مصالحها في سوريا، فإنها قد تتجه نحو التفاوض مع هيئة تحرير الشام؛ لعدم توجيه ضربات لإسرائيل وإثارة القلق في الفترة القادمة، وهو أمر متوقع الحدوث بالنظر إلى تصريح أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام بأنه لن يوجه ضربات إلى إسرائيل، في إشارةٍ إلى قراءته للواقع بأنه لا يمتلك القدرات التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي في الوقت الراهن.4– تجنب استهداف المصالح الأمريكية من جانب هيئة تحرير الشام: هناك إشارات إلى أن واشنطن ستتجه لدراسة وتحليل سلوك هيئة تحرير الشام خلال العقد المنصرم؛ لأنه على الرغم من أنها كانت، في فترة من الفترات، أحد فروع تنظيم القاعدة داخل سوريا، فإنها منذ عام 2012 لم توجه أي ضربات تستهدف المصالح الأمريكية داخل سوريا، وإنما ركزت جل هدفها على محاربة النظام السوري، كما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سبق أن تفاوض مع طالبان في أفغانستان للاتفاق على الانسحاب الأمريكي منها، فضلاً عن مفاوضاته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وهو ما يعني أن ترامب قد يتجه إلى التفاوض مع هذه الجماعة لحماية المصالح الأمريكية، وتمكينها من الحيلولة دون نمو تنظيم داعش من جديد في الأراضي السورية.5– تنسيق أكبر مع تركيا خلال الفترة المقبلة: تلعب تركيا دوراً كبيراً الآن داخل سوريا، من خلال احتلالها هي الأخرى، على غرار إسرائيل، عدداً من المحافظات السورية، أو عبر دعمها جماعات المعارضة بالأسلحة والعتاد، ومنها هيئة تحرير الشام. وقد اعترضت في وقت ما على الدعم الذي قدمته واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المنتمية إلى الأكراد التي عملت على محاربة تنظيم داعش في بعض المحافظات السورية، وحررتها من حكمه مثل مدينة الرقة. وبما أن هناك اشتباكات تجري الآن داخل المدينة بين أفراد داعمين للنظام الجديد وبين قسد التي لم تعد مدعومة بالدرجة نفسها من واشنطن، فإن واشنطن قد تتجه إلى تغيير نهجها للحفاظ على مصالحها ومواكبة التوازنات الجديدة، بما يعني أنها ستتجه للتنسيق مع تركيا التي تدعم هيئة تحرير الشام، وتتفق معها على رفع هذه الجماعة من قائمة التنظيمات الإرهابية، مقابل وعد من تركيا بردعها وعدم تهديدها للمصالح الأمريكية في سوريا المتمثلة في القواعد العسكرية وأماكن استخراج النفط.6– ترحيب زعيم هيئة تحرير الشام بالرقابة الدولية: تشير تصريحات أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام إلى أنه سيسمح للقوى الدولية بالتدخل في سوريا؛ حيث أظهر استعداده للترحيب بالرقابة الدولية للكشف عن أي أسلحة كيماوية في سوريا، بما يمنح ذريعة قوية لواشنطن للتدخل وتعزيز وجودها في الأراضي السورية بحجة الكشف عن سلاح كيميائي؛ وذلك على غرار ما حدث من قبل في العراق حينما سقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وتفككت الدولة العراقية بعد دخول القوات الأمريكية بحجة البحث عن أسلحة نووية؛ علماً بأن القانون الأمريكي لا يحظر على الحكومة الاتصال بالتنظيمات الإرهابية المدرجة في القوائم السوداء الأمريكية، وهو ما يعني أن واشنطن قد تتصل بهيئة تحرير الشام لتعزيز وجود القوات الأمريكية في الأراضي السورية.ولكن في حالة ترامب الذي يعارض بشدة الزج بواشنطن في حروب وصراعات طويلة الأمد داخل الشرق الأوسط، فإن توجهات الجولاني وتصريحاته قد تكون محفزاً لمنحه جائزة أكبر تتمثل في الاعتراف به، مقابل منح واشنطن متنفساً أكبر للتحرك داخل سوريا دون مقاومة، خاصةً أن الجولاني في الوقت الراهن يمتلك شعبية بين السوريين.7– الضغط على الجماعة لتحسين أوضاع المواطنين السوريين: قد تقدم واشنطن مكافأة لجماعة الجولاني، ولكنها مكافأة مشروطة بتحسين أوضاع المواطنين السوريين، وتحسين مستويات معيشتهم، بما يشمل المجتمعات المتنوعة المكوِّنة للمجتمع السوري من العلويين والأكراد والمسيحيين، على ألا يكون هناك تصفية حسابات لمختلف الجماعات، وهو أمر صرَّح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن؛ حيث أعرب عن ترحيب واشنطن بالاعتراف بالحكومة السورية القادمة شريطة أن تكون "موثوقة وشاملة وغير طائفية". ولكن متابعة أحداث المشهد الراهن تُنذر بأن الجولاني بالرغم من وعوده بعدم تصفية الحسابات مع أتباع النظام السابق، فإنه أعلن أنه سيتم إجراء محاكمات لرموز النظام ومجموعة من داعمي النظام السوري؛ ما يعني أن الأمر سيتطور خلال الفترة المقبلة، وأنه سيتوجه نحو تصفية الخصوم، وكل شخص يتعارض معه.8– المساعدة في إيقاف تدهور الأوضاع الإنسانية: ربما قد تتجه واشنطن لرفع تصنيف هيئة تحرير الشام من التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون تدهور الأوضاع الإنسانية، والسماح بعمل منظمات الإغاثة الإنسانية، خاصةً أن استمرار التصنيف واستمرار فرض العقوبات مع انقطاع الدعم الذي كان نظام بشار الأسد يتلقاه من موسكو وطهران، سيكون ذا انعكاسات سلبية اقتصادية وإنسانية على المواطنين السوريين.تقييم سلوكختاماً، يمكن القول إن الرئيس المنتخب دونالد ترامب وإدارته لن تقبل خطوة رفع هيئة تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية بسهولة، خاصةً أنها بحاجة إلى تقييم سلوك جماعة الجولاني والمقارنة بينها وبين تصريحاته المختلفة، لا سيَّما أن سلوك الولايات المتحدة تجاه هيئة تحرير الشام سيترتب عليه إعادة بلورة سلوك دول الاتحاد الأوروبي تجاه هذه الجماعة، وهو ما يعني أنه بالرغم من المصالح التي تمثلها خطوة رفع هذه الجماعة من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، فإنها جماعة ضعيفة لا تمتلك المقومات والقدرات التي تجعلها في الوقت الراهن قادرة على حكم الدولة السورية، وقد تتجه واشنطن نحو التفاوض مع تركيا ذات النفوذ الأكبر، وإسرائيل التي تتوسع يوماً عن آخر في توغلها داخل الأراضي السورية للتحكم في المشهد السوري وتوجيهه بالطريقة التي تريدها.

لماذا يمكن أن ترفع واشنطن هيئة تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية؟