ياسمين أيمن

يُواجه قطاع الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية أزمات متتالية، بدأت تتفاقم مع تفشي جائحة كوفيد-19؛ حيث تأثر القطاع بسبب تراجع معدلات السفر، والإغلاق، ونقص العمالة، بجانب الأزمات الأخرى المتعلقة بالطائرات، وعيوب التصنيع. وهو الأمر الذي زاد تسليط الضوء عليها بعد حادثة انفصال أحد أبواب الطائرات من نوع بوينج 737 ماكس 9 التابعة لشركة "ألاسكا إيرلاينز" بعد إقلاع طائرة الركاب من مطار بورتلاند الدولي في اتجاه أونتاريو بولاية كاليفورنيا في الخامس من يناير الماضي. ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه.تفرض الأزمات المتتالية التي يواجهها قطاع الطيران الأمريكي ضغوطاً على الإدارة الأمريكية الراهنة، وتحديداً وزارة النقل وإدارة الطيران الفيدرالية، اللتان سيكون عليهما اتخاذ العديد من الإجراءات لمعالجة تلك الأزمات سواء من حيث سلامة الركاب، أو ما يتعلق بإجبار وتشجيع الشركات على تحسين ورفع مستويات الخدمة المقدمة للأفراد، وتعويضهم إذا تم تأخير الرحلات الخاصة بهم أو إلغاؤها.طبيعة الأزمةهناك مجموعة من المشكلات التي تُواجه قطاع الطيران الأمريكي، وهي مشكلات ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل تراكمت على مدار السنوات القليلة الماضية، بسبب ضعف إشراف وأداء إدارة الطيران الفيدرالية بحسب بعض الخبراء. ويمكن إيجاز أبزر الأزمات التي يواجهها قطاع الطيران الأمريكي راهناً فيما يلي:1- ارتفاع حوادث الطائرات الأمريكية: شهدت الشهور الماضية تزايداً في معدلات حوادث الطائرات الأمريكية؛ فعلى سبيل المثال، أشارت تقديرات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، في يوليو 2023، إلى أن هناك ما لا يقل عن 46 حالة طوارئ تتعلق برحلات جوية تجارية في شهر يوليو 2023، وأن عمليات اقتحام المدرج أعلى بنسبة 25٪ عما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تأتي في مقدمة دول العالم من حيث عدد حوادث الطائرات المدنية المميتة خلال الفترة من 1945 حتى 28 فبراير 2022، حسب موقع Statista؛ حيث شهدت وقوع 864 حادثاً.2- تراجع كفاءة الأنظمة المشرفة على قطاع الطيران: تشير العديد من التقارير إلى تراجع كفاءة الأنظمة الإشرافية والسلطات المختصة على قطاع الطيران الأمريكي، ولعل هذا ما تكشف عنه بعض الحوادث؛ مثلما حدث حينما عبرت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية، في 13 يناير 2023، مدرجاً في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك بينما كانت طائرة تابعة لشركة دلتا إيرلاينز تقلع. وحينها أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية أنها بدأت تحقيقاً في الحادث، وهو التحقيق الذي عكس في جانب منه تراجع كفاءة الأنظمة المشرفة على الطيران.3- خلل بطائرات بوينج: تم الكشف عن وجود خلل في طائرات بوينج 737 ماكس 9؛ الأمر الذي تسبب في وقف الطيران بهذا النوع من الطائرات لحين فحصها ومعالجة هذا الخلل؛ حيث أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية أمراً بإعادة "فحص سدادات الأبواب" الخاصة بهذا النوع من الطائرات، لا سيَّما بعد طيران إحدى الطائرات بدون نافذة واضطرارها إلى الهبوط خلال رحلة في ولاية أوريجون بشمال غرب الولايات المتحدة، خلال شهر يناير الفائت؛ للتأكد من عدم تكرار الحادث، وفقاً لمدير إدارة الطيران الفيدرالية مايك ويتاكر؛ وذلك للحفاظ&nbsp;على سلامة المسافرين الأمريكيين.4- تفاقم معضلة تقادم البنية التحتية: أثارت حوادث الطيران التي شهدتها الولايات المتحدة تساؤلات كبيرة حول إشكالية تقادم البنية التحتية لقطاع الطيران؛ فعلى سبيل المثال، دفعت أزمة توقف حركة الطيران في الولايات المتحدة لساعات طويلة، يوم 11 يناير 2023، بسبب عطل أصاب نظام&nbsp;(NOTAM)&nbsp;الذي يعمل على تحذير الطيارين من المخاطر المحتملة طوال مسار الرحلة، البعض إلى الحديث عن تفاقم معضلة شبكة النقل الأمريكية وتقادمها؛ حيث أشار البعض إلى وجود قلق كبير&nbsp;منذ فترة طويلة بشأن تكنولوجيا إدارة الطيران الفيدرالية، كما ذكر البعض أن العديد من حواسيب وأنظمة الإدارة قديمة.5- تزايد مشكلات العنصر البشري بقطاع الطيران: تواجه المطارات الأمريكية، وكذلك شركات الطيران، مشكلات كبيرة خلال مواسم العطلات التي ترتفع فيها معدلات سفر الأمريكيين داخل وخارج الولايات المتحدة. ويرجع نقص العمالة في القطاع بسبب ضعف الأجور، وعدم ملاءمة وضبط أوقات العمل؛ ما يؤدي إلى ضغط كبير على المطارات، وتعطيل بعض رحلات الطيران، وهو ما يتسبب في أضرار للمسافرين، وخسائر مالية لشركات الطيران.6- تنامي مؤشرات الارتباك في حركة الطيران: تنفيذاً للأمر الذي أصدرته إدارة الطيران الفيدرالية بشأن فحص الطائرات من نوع بوينج، فإن عملية الفحص قد تستغرق فترة زمنية تتراوح بين 4 و8 ساعات؛ ما تسبب في تأخر بعض الرحلات المخطط لها، وتراكم الطائرات على ممرات الإقلاع والهبوط، وزيادة تذمر الركاب، وهو ما دفعهم إلى تقديم شكاوى أو إقامة دعاوى قضائية ضد شركات الطيران.وعلاوة على ما سبق، تم إلغاء مئات الرحلات خلال شهر يناير الماضي؛ إذ ألغت شركة "ألاسكا إيرلاينز" ما يتراوح بين 110 و150 رحلة طيران يومية خلال يناير، وهو ما يتسبب في خسائر كبيرة لشركة الطيران وللركاب كذلك. ومع ذلك فإن قرار إدارة الطيران الفيدرالية بعودة تحليق هذه الطائرات بمجرد فحصها والتأكد من سلامتها، منح شركات الطيران التي تعتمد على هذا النوع من الطائرات في الولايات المتحدة زفرة ارتياح؛ حيث إن إيقاف العمل بهذه الطائرات قد تسبب في تغيير أجندة الطيران الخاصة بالشركات.&nbsp;7- التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد-19: لعبت الجائحة دوراً بارزاً في أزمات قطاع الطيران سواء الأمريكي أو العالمي؛ حيث تم إلغاء رحلات الطيران، وإيقاف المطارات عن العمل خلال فترة الإغلاق. وفي الولايات المتحدة كانت هناك مشكلات أخرى مع استئناف الطيران تمثلت في نقص العمالة، وإصابة العاملين بالفيروس، مع ضعف الأجور. وبالرغم من عودة معدلات السفر إلى الأرقام المحققة قبل الوباء، فإنه في أواخر يونيو 2023، أعلنت إدارة أمن النقل عن مرور نحو 3 ملايين مسافر في المطارات الأمريكية في يوم واحد، لكن بسبب مشكلات العاملين في القطاع، يواجه المسافرون مشكلات تتعلق بتأخر الرحلات أو إلغائها.&nbsp;تحديات كبيرة من المتوقع أن يترتب على أزمات قطاع الطيران المختلفة مجموعة من النتائج يمكن الإشارة إليها فيما يلي: 1- تعرض قطاع الطيران لخسائر مالية محتملة: من جراء وقف الطيران على طائرات بوينج 737 ماكس 9 لحين فصحها، أعلنت شركة "يونايتد إيرلاينز" التي تمتلك نحو 79 طائرة من هذا النوع عن خسائر محتملة خلال الربع الأول من العام الجاري، تتراوح بين 0.35 دولار و0.85 دولار للسهم الواحد، وهو الأمر الذي لن تقتصر تداعياته على صناعة الطيران في الولايات المتحدة، بل سيشمل شركات الطيران العالمية التي تستخدم هذا النوع من الطائرات.2- تراجع الأرباح السنوية للشركات الأمريكية: تراجعت الأرباح السنوية لشركة يونايتد إيرلاينز خلال عام 2023؛ فمقارنة بالأشهر الثلاث الأخيرة لعام 2022 التي حققت فيها الشركة 843 مليون دولار، حققت الشركة خلال الفترة نفسها من عام 2023 نحو 600 مليون دولار، وهو الأمر الذي لا تتوقف نتائجه على الشركة وحدها، بل على العاملين أيضاً في المجال؛ فقد تضطر الشركات إلى تسريح جزء من العمالة.3- التأثير على سمعة شركات الطيران الأمريكية: لطالما تمتعت شركات صناعة الطائرات الأمريكية بدرجة عالية من المصداقية، وحققت مبيعات كبيرة خلال السنوات الماضية، ولكن الحوادث الأخيرة المتعلقة بشركة تصنيع طائرات بوينج التي تُعد واحدة من أكبر شركتين عالميتين في مجال تصنيع الطائرات، أفقدت الشركة مصداقيتها، ومن المتوقع أن تتأثر مبيعات الشركة خلال الفترة القادمة، خاصة أن الشركات المستخدمة لهذا النوع من الطائرات قد علقت رحلات الطيران بها، على غرار شركة "ألاسكا إيرلاينز" الأمريكية التي تمتلك 65 طائرة من نوع بوينج 737 ماكس 9. وقد سبق أن وقعت حادثتا تحطم لهذا النوع من الطائرات في عامي 2018 و2019 تسببتا في وفاة نحو 346 شخصاً؛ ما يعني أنها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها عيوب بطائرات هذه الشركة.4- تزايد المشكلات المتعلقة بتوريد الطائرات: أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية قيوداً على معدل إنتاج طائرات شركة بوينج، بما يعني أن الشركة أضحت غير قادرة على زيادة معدلات الإنتاج الراهنة، وهو أمر قد يتسبب في تكدس جدول تسليم الطائرات للموردين، وخسائر لشركات الطيران المختلفة التي عقدت صفقات للحصول على هذه الطائرات خلال الفترة القادمة.5- زيادة التدقيق في سلامة الطائرات: ستدفع الحوادث الأخيرة إدارة الطيران الفيدرالية إلى إجراء تغييرات في الاستراتيجيات المتبعة بشأن فحص جودة الطائرات التي يتم إنتاجها؛ إذ أصبحت مسألة التأكد من سلامة الطائرات أمراً غايةً في الأهمية خلال الآونة الراهنة، لا سيَّما أنه على مدار سنوات، منحت إدارة الطيران الفيدرالية أغلب عمليات مراجعة جودة الطائرات لشركة بوينج، وهو أمر أثار المخاوف من احتمالية التأثير على سلامة الطيران؛ فخلال بيان نشرته إدارة الطيران الفيدرالية، قال مدير الوكالة مايك ويتاكر: "حان الوقت لإعادة النظر في تفويض السلطة وتقييم أي مخاطر مرتبطة بالسلامة"، مضيفاً أن الحوادث الأخيرة "التي تم تحديدها في السنوات الأخيرة تتطلب منا أن ننظر في كل خيار لتقليل المخاطر. وتستكشف إدارة الطيران الفيدرالية استخدام طرف ثالث مستقل للإشراف على عمليات التفتيش التي تقوم بها بوينج ونظام الجودة الخاص بها".وختاماً، يمكن القول إن مشكلات طائرات بوينج من المتوقع حلها ومعالجة عيوب التصنيع، لكن الأزمات المتتالية التي يواجهها قطاع الطيران في الولايات المتحدة، ومستوى المطارات التي لا ترقى إلى أن تكون في الولايات المتحدة ستحتاج إلى علاج باهظ التكلفة، وهو أمر سيكون من الصعب حله خلال فترة وجيزة؛ أي لحين إجراء انتخابات نوفمبر القادمة؛ إذ إنه يحتاج إلى مشاريع قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل يتم تنفيذها على سنوات، وهو أمر قد تتمكن الإدارة الراهنة منه إذا فازت من جديد في الانتخابات الرئاسية القادمة.&nbsp;

كيف تصاعدت أزمات قطاع الطيران في الولايات المتحدة؟