ياسمين أيمن


        
<p>تراقب الولايات المتحدة الأمريكية ما يجري داخل الأراضي السودانية بحذر؛ تخوفاً من تدهور الأوضاع ودخول البلاد في حالة من العنف المسلح الذي سيدفع ثمنه المدنيون العُزل، لا سيَّما مع سقوط عشرات القتلى، وجُرح مئات الأفراد في العاصمة (الخرطوم) وفي مروي شمال السودان بسبب الصراع المشتعل بين الجيش السوداني تحت قيادة الجنرال "عبد الفتاح البرهان" من جهة، وقوات الدعم السريع التي تتبع "محمد حمدان دقلو" المعروف بـ"حميدتي"، على الرغم من التحالف بين الفريقين في أكتوبر 2021 للإطاحة بحكومة رئيس الوزراء حينذاك "عبد الله حمدوك". ويأتي الصراع الحالي بسبب التعنت بشأن تنفيذ الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه نهاية عام 2022، وترك السلطة لحكومة مدنية ديمقراطية تقود البلاد التي لا تملك حكومة منذ ما يربو عن عام، وهناك أطراف داخلية وخارجية لديها مصالح في استمرار الصراعات السودانية، خاصة في ولاية النيل الأزرق ودارفور وجنوب كردفان، لكن الولايات المتحدة تحذر من أن انجراف البلاد نحو المزيد من العنف سيكون ذا عواقب وخيمة على كافة الأطراف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أبعاد حاكمة</span></strong></a></p>



<p><strong>لم تتبنَّ واشنطن حتى الآن موقفاً قوياً إزاء الصراع المشتعل داخل السودان؛ حيث اكتفت بالتواصل مع الحلفاء، وإصدار بيانات تؤكد خلالها ضرورة العودة إلى السلام وحقن الدماء. ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:16px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تواصل مع الحلفاء الرئيسيين في الإقليم:</strong> أجرى وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" اتصالاً هاتفياً بنظرائه الأمير "فيصل بن فرحان" وسمو الشيخ "عبد الله بن زايد آل نهيان"؛ حيث تم خلال المكالمة الثلاثية تأكيد أهمية الحفاظ على الاستقرار والأمن داخل السودان، وعودة المحادثات السياسية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ للاندماج في قوات الجيش، مع انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي وتنفيذ الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه من قبل، تاركةً المجال لحكومة مدنية تتفق عليها مختلف الأطراف داخل السودان. ويأتي التواصل مع الرياض وأبوظبي تحديداً نظراً إلى المصالح الكبيرة التي تمتلكها الدولتان في السودان، وقدرتهما على الضغط على أطراف الصراع حفاظاً على مصالحهما.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تأكيد وجود أطراف مختلفة في الصراع:</strong> أكَّد "بلينكن"، خلال البيان الذي أعلنه أثناء وجوده في مؤتمر صحفي في فيتنام، وجود أطراف خارجية تستفيد من استمرار الصراع. وبالرغم من أنه لم يحدد صراحةً طبيعة تلك الأطراف، يمكن القول إن روسيا تعد واحدة من هذه الأطراف، لا سيَّما أنها تستفيد من الاضطرابات وتستخرج الذهب والثروات المعدنية من البلاد، وتسعى إلى الحصول على قاعدة جوية عسكرية على البحر الأحمر في السودان، وتستغل مسلحي مجموعة "فاجنر" لإثارة النزعات العرقية في البلاد، فضلاً عن الصين التي تعمل هي الأخرى على التوسع في إفريقيا، بما في ذلك السودان، وهو ما سيكون له آثار سلبية على مصالح الولايات المتحدة من جهة، وعلى استقرار الأوضاع داخل السودان من جهة أخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– دعوة للعودة إلى الاتفاق الإطاري:</strong> دعا وزير الخارجية الأمريكي أطراف النزاع إلى العودة إلى الاتفاق الإطاري؛ حيث وُقِّع السودان في ديسمبر 2022 اتفاقاً إطارياً رحَّبت به الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والمملكة المتحدة والنرويج في بيان مشترك؛ إذ تم التوافق خلاله على تنظيم الانتخابات في السودان خلال فترة انتقالية مدتها عامان، وكانت هناك مفاوضات بين القيادة العسكرية من جهة، والجهات الفاعلة السياسية والمدنية من جهة أخرى خلال الشهرين المنصرمين حول إنشاء حكومة مدنية، والالتفاف حول القضايا ذات الاهتمام المشترك لتحسين وضع السودان، بما في ذلك "العدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020 المُوقَّع بين الحكومة الانتقالية حينذاك والقوات المسلحة، مع تفكيك هياكل السلطة المتبقية لنظام عمر البشير"، خاصةً مع وجود توتُّر بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والجيش داخل السودان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– الدفاع عن المصالح المتنوعة داخل السودان:</strong> تمتلك الولايات المتحدة مصالح متنوعة داخل السودان تنطلق من ملف الإرهاب، وضرورة التعاون لمكافحته وردعه، والحيلولة دون تزايد النفوذ الروسي والصيني في المنشآت البحرية والموانئ السودانية الموجودة على شاطئ البحر الأحمر، فضلاً عن رغبة واشنطن في التقريب بين إسرائيل والسودان، وهو الأمر الذي يجب أن يشغل بال واشنطن في الوقت الراهن؛ لأن عدم تبني موقف حاسم قد يسمح بتكرار سيناريو إثيوبيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– استغلال ورقة المساعدات الإنسانية:</strong> تعتبر الولايات المتحدة من أكبر المقدمين للمساعدات الإنسانية في السودان، وهو أمر يمكن استغلاله للضغط على أطراف النزاع للتوصُّل إلى اتفاق، ومنع انزلاق البلاد نحو مزيدٍ من العنف. وهذا يجب أن يكون بالتنسيق مع الحلفاء داخل المنطقة، لا سيَّما مصر التي تمتلك مصلحة كبيرة في استقرار السودان، بالنظر إلى حدودهما المشتركة، وقواتها العسكرية التي ترتبط بعلاقات صداقة مع قوات الجيش السوداني، فضلاً عن مصالحهما المشتركة بشأن قضية الصراع مع إثيوبيا في الحفاظ على حقوقهما المائية. وعلى نحو آخر، هناك دول الخليج العربي التي تملك استثمارات كبيرة في الأراضي السودانية، وعلى رأسها السعودية والإمارات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– تعاون أكبر مع الحلفاء السودانيين</strong><strong>:</strong> يُعتبَر الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي يقود قوات الدعم السريع أحد الأطراف التي يجب التفاوض معها، وخاصةً أنه سبق أن دعا إلى تعزيز الوجود الأمريكي في السودان، كما دعم تعزيز العلاقات السودانية الإسرائيلية. وبغض النظر عن أيّة تحفظات أمريكية على البرهان أو حميدتي، فإن واشنطن مضطرة لمقاربة مرنة وبرجماتية للحفاظ على مصالحها؛ لأنه في الوقت الراهن لا يمكن تركيز الانتباه على الجهات الفاعلة المدنية؛ إذ قد يساعد ذلك على تحقيق نجاح قصير المدى، لكنه لن يديم الاستقرار داخل السودان؛ لذلك يجب عليها التفاوض مع هؤلاء الأطراف وإقناعهم بتشكيل جيش واحد، بجانب التقريب بين وجهات النظر المختلفة حول الشكل النهائي للدستور السوداني، بما في ذلك قوى الحرية والتغيير، بجانب إشراك الجماعات العرقية المختلفة في عملية الانتقال السلمي للسلطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ضرورات التدخل</span></strong></p>



<p>خلاصة القول أن الولايات المتحدة إذا أرادت تهدئة الوضع داخل السودان ومنعه من الانجراف نحو صراع دموي مستمر يستفيد منه خصومها الاستراتيجيون، ولا سيما روسيا والصين، فإنها عليها لعب دور أكثر وضوحاً وقوة لاجتذاب السودان ليكون حليفاً لها، ولتشكيل حكومة مدنية تحقق الديمقراطية، وتحول دون أن يلقى السودان مصير دول أخرى في القارة الأفريقية، وبما قد ينعكس سلباً على المصالح الأمريكية بطبيعة الحال ليس في السودان فحسب وإنما في باقي البلدان الأفريقية.</p>

      

كيف تتفاعل واشنطن مع تطورات الأزمة السودانية؟