ياسمين أيمن


        
<p><strong>في وقت تزداد فيه موجات المهاجرين المتدفقين على الحدود الجنوبية الأمريكية، أجرى الرئيس "جو بايدن" زيارة هي الأولى من نوعها منذ أدائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في </strong><strong>20</strong><strong> يناير </strong><strong>2021</strong><strong>، إلى دولة المكسيك لحضور قمة قادة دول أمريكا الشمالية، التي تم وصفها بقمة "الأصدقاء الثلاثة"، والتي من المزمع انعقادها في العاشر من يناير 2023 بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. وفي ظل الاجتماعات على هامش القمة مع الرئيس المكسيكي "أندريس مانويل لوبيز أوبرادور"، كانت هناك توقعات بالتطرق إلى مجموعة من القضايا، على رأسها التعاون في قضية الهجرة غير النظامية، وزيادة تأمين الحدود الأمريكية لمحاربة كارتلات تهريب المخدرات، مع محاربة الجريمة المسلحة في المكسيك التي تتزايد بزيادة تهريب الأسلحة الأمريكية غير المشروعة إلى المكسيك، فضلاً عن التطرق إلى قضايا الاقتصاد، والعلاقات المتنامية مع الصين. وحتى تتمكن واشنطن من تحقيق مساعيها في القضايا السالفة الذكر، سيكون عليها اتباع نهج دبلوماسي أكثر تعاوناً مع المكسيك يحفز ها على بذل دور أكبر لحل تلك القضايا.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أجندة النقاش</span></strong></p>



<p><strong>هناك ملفات عالقة منذ فترة حكم الرئيس السابق "دونالد ترامب"، الذي اتسمت فترة حكمه بالعداء تجاه المهاجرين المكسيكيين، فضلاً عن انتقاداته المتكررة لرئيس الوزراء الكندي "جاستن ترودو". وبالرغم من شعور قادة دول أمريكا الشمالية بالتفاؤل بعد خروج "ترامب" من البيت الأبيض، وإعرابهم عن ذلك خلال القمة في عام 2021، فإن الأمور عادت واضطربت مرة أخرى على خلفية العديد من القرارات الأمريكية الداخلية، بما في ذلك تلك القرارات الخاصة بتعزيز شراء المنتجات الأمريكية. وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن هناك العديد من الملفات تحكم العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك خلال الفترة الراهنة، ومن المتوقع التطرق لها خلال اللقاء بين بايدن ونظيره المكسيكي، ويمكن إيجاز أبرزها فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية الأمريكية:</strong> أضحت قضية الهجرة غير الشرعية وتزايد تدفق أعداد المهاجرين على الحدود الجنوبية الأمريكية على أجندة الإدارة الأمريكية؛ فقد أشارت التقديرات إلى تنفيذ الحكومة الأمريكية نحو 2.3 مليون عملية طرد وإيقاف لمهاجرين غير نظاميين خلال عام 2022، لا سيَّما مع زيادة تدهور الأوضاع في دول مثل كوبا، ونيكاراجوا، وهاييتي، وفنزويلا. ويأمل الرئيس "بايدن" التفاوض مع نظيره المكسيكي لضبط الأوضاع، والسيطرة بدرجة أكبر على الحدود، وقبول استقبال هؤلاء المهاجرين، ولا سيما مع وقف العمل بسياسة "الباب 42" التي كانت تسمح بإعادة المهاجرين إلى المنطقة القادمين منها لحين النظر في طلبات قبولهم في الولايات المتحدة، خوفاً من انتشار فيروس كوفيد–19، وفشل الإدارة الأمريكية في حل المشكلة، والانتقادات التي يوجهها الجمهوريون لسياسات "بايدن" بشأن التعامل مع قضية المهاجرين غير الشرعيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong>– <strong>تعزيز سياسة "اشتر الأمريكي" في التعاملات التجارية مع الجوار:</strong> دأب الرئيس "جو بايدن" من خلال العديد من الأوامر التنفيذية التي وقع عليها، بجانب التشريعات المختلفة على تعزيز شراء المنتجات الأمريكية، عبر فرض نسب محددة يجب على الحكومة الفيدرالية أن تحققها في المنتجات التي تشتريها بحيث تكون أمريكية الصنع. وبالرغم من أن تلك السياسات – وفقاً لتبريرات الإدارة الأمريكية – تهدف في المقام الأول إلى تنشيط الصناعة الأمريكية وتوفير المزيد من فرص العمل، وحماية الاقتصاد الأمريكي، فإن حلفاء واشنطن التجاريين، على غرار كندا والمكسيك، يرون أن تلك السياسات تضر بهم وبصناعتهم؛ لذا سيتم التطرق إلى تلك القضية خلال القمة الراهنة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– مناقشة العلاقات الصينية مع أمريكا اللاتينية:</strong> من المتوقع التطرق إلى قضية العلاقات مع الصين، بعدما توطدت العلاقات بين دول أمريكا اللاتينية والصين خلال الأعوام الأخيرة، وزاد اعتماد الدول على السلع والواردات الصينية؛ الأمر الذي يثير مخاوف واشنطن من تعزيز بكين علاقاتها مع دول تمثل أمناً قومياً بالنسبة إليها، لا سيَّما أنها متاخمة لحدودها، وقد تلعب الصين دوراً بارزاً في المستقبل في تهديد أمن الولايات المتحدة من خلال الحدود المشتركة مع تلك الدول. وحل تلك المشكلة يتطلَّب تعزيز التكامل الاقتصادي مع تلك الدول لمواجهة النفوذ الصيني الاقتصادي المتنامي بتلك الدول.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– قضية الاتجار في المخدرات على الحدود الأمريكية:</strong> تعاني الولايات المتحدة، في السنوات الأخيرة، من سقوط أعداد كبيرة من الوفيات بسبب تعاطي المخدرات التي يتم تهريبها عبر الحدود الجنوبية الأمريكية؛ ففي عام 2021 وحده قتلت مادة الفنتانيل الأفيونية نحو 72 ألف شخص في الولايات المتحدة، وهي مسألة تتفاوض فيها الإدارة الديمقراطية مع رئيس المكسيك <a>"أندريس مانويل لوبيز أوبرادور" </a>في سبيل أن يبذل جهوداً أكبر لردع جماعات تهريب المخدرات التي تنشط على الحدود المشتركة مع الولايات المتحدة. وقبيل انعقاد القمة، تمكنت السلطات المكسيكية من إلقاء القبض على نجل أحد أكبر تجار المخدرات "أوفيديو جوزمان". وقد عرضت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل إلقاء القبض عليه، وهي مسألة يرى البعض أنها ليست مصادفة، بل أنها على سبيل منح الحكومة المكسيكية مساحة أكبر للتفاوض مع الولايات المتحدة في القضايا محل الخلاف، مقابل إثبات قدرتها على هزيمة كارتلات المخدرات إذا أرادت ذلك. وفي هذا الصدد، من المتوقع وفقاً لتصريحات مسؤول وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أمريكا اللاتينية "براين نيكولاس" أن تسعى واشنطن إلى إثارة مسألة تعزيز عملية "تبادل المعلومات" مع الجانب المكسيكي حول عصابات الاتجار في المخدرات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– تجارة الأسلحة غير المشروعة على الحدود مع المكسيك:</strong> في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة للضغط على المكسيك لردع جماعات تهريب المخدرات، تحاول مكسيكو في المقابل مطالبة واشنطن بالسيطرة على عمليات تهريب الأسلحة غير المشروعة إلى الحدود المكسيكية، التي تسهم بدور بارز في ارتفاع معدلات القتل داخل المكسيك، وفي تقوية جماعات تهريب المخدرات، حتى إن المكسيك أقامت دعوى قضائية ضد مصنعي الأسلحة في الولايات المتحدة، مشيرةً إلى تضررها من تهريب تلك الأسلحة إلى المكسيك، والإسهام في ارتفاع مستويات الجريمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– مخاطر انضمام المهاجرين إلى تنظيمات الجريمة المنظمة:</strong> يشير بعض المسؤولين المكسيكيين إلى افتقار المكسيك للقدرات والموارد اللازمة التي تؤهلها لقبول طلب إدارة "جو بايدن" باستقبال نحو 30 ألف مهاجر غير نظامي بصورة شهرية، وهو أمر إذا وافقت عليه فلن تكون قادرة على الحيلولة دون انضمام هؤلاء الأفراد الذين يبحثون عن قوت يومهم إلى جماعات الجريمة المنظمة، ومن ثم سيزداد الوضع صعوبة وتأزماً؛ لذا سيتم إثارة تلك القضية أيضاً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7</strong><strong>– قضية التغيرات المناخية وتداعياتها الإقليمية:</strong> تأتي قضية التغير المناخي على أجندة الرئيس "بايدن" خلال زيارته إلى المكسيك، ولا سيما بعد تعهدت الولايات المتحدة والمكسيك بإقامة مشروع بقيمة 48 مليار دولار في المكسيك للمساعدة على خفض الانبعاثات بحلول عام 2030 أثناء مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 27) الذي أقيم في مدينة شرم الشيخ في مصر، كما أنه من المنتظر التطرق إلى تنفيذ مشروعات مشتركة أكثر في مجال الطاقة النظيفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خطوات دبلوماسية</span></strong></p>



<p><strong>إذا أرادت الإدارة الأمريكية تحقيق ما تطمح إليه، وخاصةً ما يتعلق بمشكلات الهجرة غير النظامية على الحدود الأمريكية، فإن السياسة الأمريكية تجاه المكسيك يجب أن تتحلى ببعض السمات التي يمكن توضيحها فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– التنازل عن سياسات الإملاء الأمريكية:</strong> تحتاج الولايات المتحدة إلى اتباع نهج تفاوضي مع المكسيك بدلاً من اتباع نهج الإملاء الذي يُشعر الدول التي تتعامل معها واشنطن بقدر من الغطرسة الأمريكية، خاصةً أنها تحتاج إلى المساندة التي ستقدمها المكسيك لواشنطن في مختلف القضايا التي ستشغل الناخب الأمريكي خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية، وهي قضية إذا نجحت الإدارة في حلها، فإنها ستكسب ورقة يمكن استغلالها خلال الحملات الانتخابية الديمقراطية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– تقديم الدعم والمساندة المالية والفنية:</strong> يحتاج الرئيس "جو بايدن"، خلال تلك الزيارة، إلى إظهار استعداد الولايات المتحدة لتقديم الدعم والمساندة المالية والفنية والمعنوية إلى المكسيك إذا وافقت على استقبال تلك الأعداد من المهاجرين غير النظاميين، وإذا عززت التعاون مع واشنطن في سبيل محاربة كارتلات تهريب المخدرات، وعصابات الجريمة المنظمة؛ إذ سيكون على واشنطن في المقابل تبني إجراءات أكثر حسماً لمنع تهريب الأسلحة غير المشروعة إلى حدود المكسيك، بجانب تسهيل عمليات استقبال المهاجرين، مع تبني خطابات أكثر رشداً معهم بدلاً من تلك التي تشير إلى أن الحدود الأمريكية مفتوحة للجميع، وهو ما أوضحه "بايدن" بالفعل في خطاب موجه للمهاجرين مع بدايات السنة الجديدة، حاثاً إياهم على اتباع الإجراءات القانونية بدلاً من القدوم بشكل غير قانوني سيجعلهم عرضةً للترحيل من جانب سلطات إنفاذ القانون، كما قد يتم منعهم من دخول الولايات المتحدة لمدة تصل إلى 5 سنوات. كما أعلن "بايدن" عن موارد إضافية لدعم المدن الحدودية، وتقديم التدريبات اللازمة لجهات إنفاذ القانون.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– تعزيز التكامل الاقتصادي مع أمريكا الشمالية:</strong> تحتاج الولايات المتحدة إلى التحرك نحو تكامل أكبر مع دول أمريكا الشمالية، خاصةً أن السياسات والاتفاقيات الراهنة قد أفضت إلى العديد من النزاعات والمشكلات بعدما استُبدِل باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية المعروفة بـ"نافتا"، اتفاقيةُ التجارة الحرة الشمالية للولايات المتحدة والمكسيك وكندا المعروفة بـ"يو إس إم سي إيه" في يوليو 2020. ومن الخلافات القائمة بين المكسيك والولايات المتحدة حظر استيراد المكسيك للذرة المعدلة وراثياً من الولايات المتحدة بسبب مخاوف صحية، وهي تجارة توفر عشرات الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة؛ لذلك تسعى واشنطن إلى رفع هذا الحظر، بالتزامن مع التفاوض معها حول قبول استقبال 30 ألف مهاجر شهرياً، وهو أمر يمثل ضغطاً أكبر على المكسيك تحتاج في مقابله إلى مزيد من التسهيلات المالية والمساعدات الاقتصادية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، يمكن القول إن تحركات "جو بايدن" الراهنة تأتي في إطار استعداده لخوض السباق الرئاسي لانتخابات عام 2024؛ إذ يسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب للديمقراطيين. وفي سبيل ذلك، يعمل على التحرك بوتيرة أسرع مقارنةً بالعامين الماضيين، وقد تفضي اجتماعاته مع نظيره المكسيكي إلى مزيد من التعاون بشأن القضايا العالقة التي تؤثر على وجهات نظر الناخب الأمريكي، لكن لتحقيق نجاحات فعلية، فإن الولايات المتحدة سيكون عليها إحداث بعض التغييرات في نهجها المتبع في علاقتها مع المكسيك، وتقديم مزايا أكبر لها على المستوى الاقتصادي.</strong></p>

      

ما أبرز القضايا على أجندة "بايدن" خلال زيارته إلى المكسيك؟