د. أحمد عسكر

لم يكن مفاجئاً صعود الرئيس المنتخب محمد إدريس ديبي إلى سدة الحكم في تشاد عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في 6 مايو الجاري بعدما حصل على نسبة 61.03% من إجمالي أصوات الناخبين، في ضوء الدعم الواسع الذي حظي به خلال الفترة الماضية من نحو 227 حزباً وحركة هي المكونة لائتلافه "تشاد موحدة" الذي استطاع حسم السباق الانتخابي متفوقاً على منافسَيْه الرئيسيين سوكسي ماسرا، رئيس وزرائه وزعيم تحالف العدالة والمساواة، الذي حصل على 18.53%، وألبرت باهيمي باداكي، زعيم تحالف الوطنيين الديمقراطيين الذي حصل على نسبة 16.91% من إجمالي الأصوات.وتحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة كونها أول انتخابات تُجرَى في منطقة الساحل بين الدول الخاضعة لإدارة الفترات الانتقالية التي أعقبت موجة الانقلابات العسكرية هناك منذ عام 2020. ومن ثم، فهي تطوي صفحة المرحلة الانتقالية في تشاد التي بدأت في أعقاب مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021 والتي أدارها نجله محمد إدريس ديبي، الذي يبدأ هو نفسه فترة رئاسية جديدة مدعوماً بشرعية سياسية وقانونية تمتد لخمس سنوات مقبلة، وسط حالة من التفاؤل الحذر بشأن توجهاته وسياساته الجديدة إزاء التحديات التي تواجه الدولة التشادية خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن إدارته للمرحلة الانتقالية قد تعرضت لموجة من الانتقادات بسبب تأزم الأوضاع في البلاد على مستويات عدة خلال السنوات الأخيرة.إلا أن التعهدات التي أطلقها الرئيس المنتخب ديبي خلال حملته الانتخابية قبيْل انطلاق الانتخابات الرئاسية حول إيجاد حلول وتبني سياسات جديدة لمعالجة المعضلات الهيكلية في مختلف مؤسسات الدولة التشادية، ربما تدفع الرأي العام التشادي للتأني أملاً في إحداث تغييرات قد تسهم في إنقاذ البلاد من مشكلاتها المزمنة منذ أمد طويل، وهو ما سيتكشف خلال الشهور الثلاثة الأولى على الأكثر من حكم الرئيس المنتخب ديبي في البلاد.تحديات الداخل يدرك الرئيس المنتخب ديبي منذ إدارته للمرحلة الانتقالية حجم الإرث الثقيل الذي تركه نظام إدريس ديبي الأب في الجبهة الداخلية. فهناك العديد من الملفات الشائكة التي سوف يتعين على ديبي الابن التفاعل معها بشكل جاد خلال الفترة المقبلة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1- تشكيل حكومة وطنية: تبرز أهمية وجود معايير لاختيار التشكيل الجديد للحكومة من شخصيات سياسية مقبولة لدى الرأي العام التشادي، كونه يصب في مصلحة ديبي الذي يسعى لتحسين صورته وتأكيد شرعيته على الصعيد الداخلي. خاصة أن تولي حكومة جديدة في البلاد يأتي في توقيت ضاغط مُثقَل بالعديد من القضايا والملفات الشائكة التي يجب التعامل معها في الداخل التشادي على رأسها تفشي الفساد، وذلك تفادياً لانزلاق البلاد في موجة أزمات ربما تدفعه نحو الفوضى، ما يجعلها بمثابة حكومة إنقاذ وطني نظراً لأهميتها البالغة بالنسبة لنظام ديبي الجديد في هذه المرحلة.2- التعاطي مع ملف المصالحة الوطنية: والذي يمثل أهمية بالغة بعد الإخفاق في إدارته خلال المرحلة الانتقالية على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، إضافة إلى تداعيات ما بعد الانتخابات واستنفار المعارضة السياسية بزعامة المرشح الخاسر ماسرا الرافضة لنتائج الاقتراع الأخير، بما يعزز المخاوف بشأن اندلاع أعمال العنف في البلاد. وهو ما يضع هذا الملف على رأس أولويات الرئيس ديبي الذي يرغب في ضمان استقرار الوضع السياسي والأمني خلال فترة رئاسته دون وجود أي تحديات أو أزمات.لذلك، من المتوقع قيام الرئيس المنتخب ديبي بالدعوة مجدداً لإجراء حوار وطني شامل من أجل التوصل إلى رؤى وحلول مشتركة للأزمات التي تواجه الداخل التشادي. ويتوقف نجاح هذه الخطوة على احتضان الحوار الوطني لكافة الأطياف والأطراف السياسية، وعدم إقصاء أي طرف سياسي في هذا الحوار.3- العمل على تحسين صورة ديبي داخليّاً: يجد الرئيس المنتخب بعد فوزه في السباق الرئاسي فرصة لإعادة تقديم نفسه للشعب التشادي بخلاف فترة إدارته للمرحلة الانتقالية، وذلك من خلال السعي للوفاء بتعهداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، خاصةً فيما يتعلق بقطاعي الكهرباء والمياه. وهو ما قد يلعب دوراً في تخفيف حدة الإحباط الذي يُصيب قطاعات كبيرة من الشعب التشادي خلال السنوات الأخيرة إزاء محدودية قدرات الحكومات التشادية المتعاقبة في تحسين الأوضاع المعيشية، وتذليل جميع العقبات التي تواجه البلاد. الأمر الذي قد يسهم في تأكيد شعبية وشرعية ديبي، وتحسين صورته على المستويين الداخلي والدولي حال نجاحه في الوفاء بوعوده.4- استهداف تحفيز الاقتصاد التشادي: وذلك لمعالجة الأزمات الهيكلية في الاقتصاد التشادي المتدني على مدار السنوات الماضية. فلا يزال هناك حوالي 42.3% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما ارتفع معدل الفقر المدقع في البلاد من 31.2% في عام 2018 وصولاً إلى 35.4% في عام 2023. ومع ذلك، هناك توقعات بأن يسجل الاقتصاد التشادي أقوى أداء له منذ عام 2014، حيث يتوقع أن يرتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7% في عام 2024 مقارنة بنحو 3.6% في عام 2023 وفقاً لبيانات بنك التنمية الأفريقي، وهو ارتفاع مقرون بأسعار النفط، الذي تعتمد عليه تشاد بشكل كبير منذ إنتاجه في عام 2003. وربما تستغل حكومة ديبي ذلك في محاولة تبني رؤى اقتصادية فعالة لتحفيز الاقتصاد التشادي، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدولية والقوى الفاعلة.5- احتواء تمرد الحركات المسلحة: وهو يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب ديبي خلال الفترة المقبلة، خاصةً مع استمرار تهديدات الحركات المتمردة في شمال البلاد، والتي أشارت تقارير إلى ارتباطها ببعض الأطراف الإقليمية والدولية خلال الفترة الماضية، مما يشكل تهديداً على الداخل التشادي، لا سيما وأن هذه الحركات يمكنها تلقي التدريب والتمويل بما ينعكس على تعزيز قدراتها التسليحية والقتالية في المنطقة في مواجهة الجيش التشادي، إلى جانب تهديدات الإرهاب الذي ينتشر في منطقة الساحل على نطاق واسع.ملفات خارجيةتشاد محاطة بحزام إقليمي مفخخ بالأزمات نتيجة تنامي الصراعات والنزاعات والإرهاب في محيطها الإقليمي، وهو ما يفاقم التحديات التي تواجه الرئيس ديبي، خاصة على الصعيد الخارجي خلال الفترة المقبلة. وتتمثل أبرز القضايا الخارجية ورؤية ديبي تجاهها فيما يلي:1- تعزيز دور تشاد في الساحل الأفريقي: ظلت تشاد تلعب دوراً أساسيّاً في محاربة الإرهاب بالساحل وغرب أفريقيا في عهد الرئيس الراحل إدريس ديبي، وهو ما عزز من دورها الإقليمي في ضوء اعتماد الغرب عليها كحليف استراتيجي في هذا المجال. إلا أن مقتل ديبي الأب وانخراط البلاد في مرحلة انتقالية مقترنة بالعديد من الأزمات قد أسهم في تراجع الدور الإقليمي لتشاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومع ذلك، تبدو الفرصة سانحة أمام تشاد لإعادة تقديم نفسها للمجتمع الدولي باعتبارها قوة إقليمية بارزة في الساحل قادرة على كسب ثقة الغرب والقوى الفاعلة في مجال الحرب على الإرهاب، وتسكين بعض الملفات الإقليمية الشائكة مثل لعب دور في تقريب وجهات النظر بين قادة إيكواس والدول المنسحبة مؤخراً من التكتل الإقليمي في سبيل الحفاظ على تماسكه ووحدته.2- العمل على تحييد ارتدادات أزمات الجوار: يشكل الواقع المأزوم لمنطقة الساحل وجوارها الجغرافي تحديّاً بالنسبة لتشاد الواقعة وسط بحيرة إقليمية مضطربة، في ضوء سلسلة الأزمات التي تواجه كل من السودان منذ اندلاع الصراع الدائر هناك في عام 2023، والأزمة الليبية الممتدة منذ سقوط نظام العقيد القذافي في عام 2011، وانتشار الإرهاب في منطقة الساحل بما يشكله من تهديدات أمنية قادمة من النيجر ونيجيريا على مدار السنوات الماضية، إضافة إلى انتشار قوات فاجنر الروسية التي باتت تحاصر تشاد من جميع الاتجاهات نظراً لتمركزها في السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى والنيجر عقب انسحاب القوات الأمريكية مؤخراً من البلاد، الأمر الذي يشكل عبئاً على الرئيس ديبي خلال المرحلة المقبلة في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، والحيلولة دون وقوع أي توترات في الداخل التشادي.3- إدارة العلاقة مع الغرب وروسيا: لا يزال الغرب ينظر إلى تشاد باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي وشريكاً مهماً في الحرب على الإرهاب في الساحل، إضافة إلى كونها تعد آخر الحلفاء الأساسيين لفرنسا في المنطقة بعدما فقدت معظم حلفائها هناك خلال السنوات الأخيرة في ضوء تغير المزاج الأفريقي تجاه القوى الغربية. ومع تنامي حالة التنافس الدولي المحتدم بين الغرب وروسيا في الساحل خلال الفترة الأخيرة، تجد تشاد نفسها في ورطة ربما تدفعها لإعادة تقييم وموازنة علاقاتها مع الغرب وروسيا، بما يعظم مصالحها الحيوية في المنطقة.4- تأمين الحدود التشادية مع السودان: تمثل الأزمة السودانية التحدي الأبرز لدولة تشاد منذ اندلاعها في أبريل 2023، خاصة أن نجامينا قد استقبلت أكثر من 500 ألف لاجئ سوداني خلال عام 2023 وما يشكله من أعباء أمنية واقتصادية واجتماعية على كاهل الحكومة التشادية، إضافة إلى تأثير تصعيد المواجهات المسلحة بين طرفي الصراع السوداني في إقليم دارفور بالقرب من الحدود المشتركة مع تشاد، وإشارة تقارير إلى تورط بعض الحركات المسلحة التشادية في الاقتتال الداخلي؛ ما يعزز المخاوف من تمدد القتال إلى الداخل التشادي خلال الفترة المقبلة، إلى جانب اتهامات متكررة تزعم عبور الأسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر الأراضي التشادية، وهو ما يسهم في توتر العلاقات بين الخرطوم ونجامينا التي تنفي تلك المزاعم باستمرار.5- التوصل إلى تفاهمات مع واشنطن: ربما يسعى الرئيس ديبي إلى فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية عقب فوزه بالانتخابات من أجل إعادة تشكيل العلاقات بين الطرفين، لتجاوز حالة التوتر التي سادت بين البلدين خلال الفترة الأخيرة بسبب اتهامات تشادية بدعم أمريكي للمرشح الخاسر سوكسي ماسرا خلال حملته الانتخابية، ما أدى إلى سحب بعض القوات الأمريكية بشكل مؤقت من تشاد بدعوى عدم وجود مبرر لوجود عسكري أمريكي في البلاد.ومن المتوقع أن تسعى واشنطن للحفاظ على علاقات جيدة مع ديبي من أجل تعزيز حضورها في الساحل وغرب أفريقيا، وإمكانية ارتكاز استراتيجيتها الأمنية في المنطقة على تشاد، خاصة بعد سحب قواتها من النيجر مؤخراً، ما يعكس أهمية تشاد في سياسات القوى الدولية الفاعلة في الساحل ولا سيما واشنطن.6- استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية: يعوّل الرئيس ديبي على ضخ القوى الفاعلة سلسلة من الاستثمارات الأجنبية في البلاد من أجل إحداث طفرة للاقتصاد التشادي الذي يواجه أزمات مزمنة على مدار السنوات الماضية، والسعي لزيادة فرص العمل للشباب التشادي. وإن كان ذلك مشروطاً بتعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة، وإدارة العلاقة مع مختلف القوى الفاعلة بشكل براجماتي، ما من شأنه تعظيم المكاسب الاستراتيجية للدولة التشادية.إجمالاً، برغم نجاح ديبي في إجراء الانتخابات الرئاسية عقب انتهاء المرحلة الانتقالية التي استمرت ثلاث سنوات في البلاد، إلا أن إخفاقه في إدارة معظم ملفات تلك المرحلة من أزمات وتحديات لا يزال يشكل تخوفاً لدى قطاعات كبيرة من الشعب التشادي من عدم قدرته على معالجتها بشكل جذري بعد توليه السلطة، خاصة في ظل استمرارية مشكلات المرحلة الانتقالية التي تؤثر بدورها على استقرار وأمن البلاد. فهناك اتجاه يتشكك في قدرة الرئيس ديبي على التعاطي مع أزمات بلاده وإيجاد حلول لها، إلا أنه يمكنه التغلب على هذه المزاعم من خلال توافر الإرادة السياسية لبدء حوار وطني جاد يعزز المصالحة الوطنية، بما يسهم في تأمين الجبهة الداخلية الذي ينعكس بالأساس على استقرار النظام الحاكم وأمن واستقرار البلاد، إضافة إلى تعزيز الدعم الدولي له على الصعيدين الأمني والاقتصادي، بما يعزز الأمن الإقليمي في الساحل وتحقيق بعض الطفرات الاقتصادية التي تساند الاقتصاد التشادي بشكل ملحوظ خلال المرحلة المقبلة.&nbsp;

السياسات المحتملة للرئيس "ديبي" عقب الفوز بالانتخابات التشادية