د. صدفة محمد محمود

أصدر قادة مجموعة G–7 – وهي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا – والأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية والاتحاد الأوروبي بيانات منفصلة أعلنوا فيها عن إدانتهم "بشكل لا لبس فيه" هجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل بالطائرات بدون طيار والصواريخ في 13 أبريل الجاري، وأعربوا عن "تضامنهم" مع تل أبيب، كما هدد بعضهم بفرض عقوبات موسعة على طهران. في المقابل، فشل قادة دول أمريكا اللاتينية في تبني موقف منسق بشأن الهجوم، وتفاوتت ردود أفعالهم حيال الهجوم الإيراني الذي جاء رداً على التفجير الأخير لقنصليتها في دمشق، وألقت إيران بالمسؤولية عنه على إسرائيل.وعلى الرغم من أن مواقف دول أمريكا اللاتينية التي تحدثت علناً عن الأزمة تتراوح بين "الإدانة المدوية" للهجوم الإيراني وتحميل إسرائيل المسؤولية عما حدث في القنصلية الإيرانية في دمشق؛ حيث قتل عدد من الأشخاص نتيجة الهجوم الإسرائيلي، فإن القاسم المشترك هو دعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير حاسمة لتجنب إراقة الدماء ومنع التصعيد في المستقبل.خلافات إقليمية تتباين مواقف دول أمريكا اللاتينية من الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل، وتتمثل بصفة عامة فيما يلي:1– إدانة بعض الدول هجمات إيران ودعم إسرائيل: كانت الأرجنتين وباراجواي وأورجواي، إضافة إلى جواتيمالا والدومينيكان، من دول أمريكا اللاتينية الرئيسية التي انتقدت هجوم إيران على إسرائيل. وتعد هذه الدول أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وغالباً ما تأتي السياسات الخارجية لحكوماتها اليمينية متسقةً مع السياسة الخارجية الأمريكية. على سبيل المثال، أعلن الرئيس الأرجنتيني "خافيير ميلي"، منذ توليه مهام منصبه في نوفمبر 2023، عن تحول السياسة الخارجية لبلاده نحو التقارب مع الولايات المتحدة وأوكرانيا وكذلك إسرائيل التي زارها في فبراير 2024؛ وذلك على النقيض من النهج الخارجي لحكومة سلفه "فرناندو هرنانديز" الذي ارتبطت إدارته بعلاقات وثيقة بالصين وروسيا.في الأرجنتين، أصدر مكتب الرئيس خافيير ميلي بياناً، أيد فيه بقوة حق "دولة إسرائيل في الدفاع عن سيادتها، وخاصةً ضد الأنظمة التي تروج للإرهاب وتسعى إلى تدمير الحضارة الغربية"، وقالت وزارة الخارجية في بيان منفصل: "تدين حكومة جمهورية الأرجنتين إدانةً قاطعةً الهجوم غير المسبوق الذي شنَّته جمهورية إيران الإسلامية على دولة إسرائيل".بالمثل، أعرب رئيس باراجواي "سانتياجو بينيا"، عن دعمه وتضامنه مع الشعب الإسرائيلي "وسط الهجوم المؤسف الذي بدأته جمهورية إيران الإسلامية، الذي يُعرِّض المنطقة والعالم لتصعيد غير مسبوق للصراع". ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية، "تعترف باراجواي بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، وتدين هذه الهجمات على السكان المدنيين، مؤكدةً من جديد الالتزام الراسخ بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله"، كما أدانت حكومة أوروجواي استخدام إيران للقوة، وأعربت عن أسفها لتفاقم الصراع في الشرق الأوسط.2– تحميل بعض الحكومات تل أبيب مسؤولية التصعيد: تبنت فنزويلا موقفاً مندداً بسياسات تل أبيب، وحمَّلتها مسؤولية الهجوم الإيراني، وعزت الهجمات إلى "الإبادة الجماعية في فلسطين"، وانتقدت تقاعس الأمم المتحدة. أما الرئيس الكولومبي "جوستافو بترو" فقد انتقد بيان منظمة الدول الأمريكية الذي يدين الهجوم الإيراني باعتباره "دعاية جيوسياسية". وسبق أن رفض بترو إدانة الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، وألقى باللوم على تل أبيب في "المأساة الإنسانية في غزة".جدير بالذكر أن الحكومات اليسارية في فنزويلا، وكوبا، وبوليفيا، ونيكاراجوا، التي تتبنى مواقف مناهضة للهيمنة الأمريكية في أمريكا اللاتينية، تربطها جميعاً علاقات وثيقة بإيران، ولديها مصالح متشابكة معها في العديد من المجالات، خاصةً النفط والغاز والتكنولوجيا والدفاع، فضلاً عن تنسيق هذه الدول جهودها المشتركة في مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. في عام 2023، قام الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" برحلة استغرقت خمسة أيام إلى فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا، وقَّع خلالها عدة اتفاقيات للتعاون.3– الدعوة إلى ضبط النفس وتهدئة التوترات: كانت البرازيل والمكسيك من أبرز دول أمريكا اللاتينية الداعية طرفي الأزمة إلى منع التصعيد. ودعت البرازيل في بيان صادر عن وزارة خارجيتها الجانبين إلى "أقصى درجات ضبط النفس"، وحثت المجتمع الدولي على حشد الجهود لتجنب التصعيد، وتجنبت بشكل خاص الإدانة المباشرة لإيران. أما وزارة الخارجية المكسيكية فأعربت في بيان عن قلقها إزاء استخدام القوة في العلاقات الدولية، وقالت إن الصراع قد يكلف آلاف الأرواح، وقالت: "تحذر حكومة المكسيك بقلق عميق من هجوم إيران على إسرائيل والتكاليف التي يمكن أن تترتب على هذا العمل في صورة آلاف الأرواح البشرية".يمكن أن يفسر الموقف المحايد للبرازيل والمكسيك – وهما أكبر دولتين في أمريكا اللاتينية – من طرفَي الصراع، بمساعي البلدين إلى تبني موقف مستقل عن الولايات المتحدة في الأزمة المتصاعدة بين إسرائيل وإيران. ويمكن أن تكون التوترات الأخيرة في العلاقات البرازيلية الإسرائيلية بسبب موقف حكومة دا سيلفا من حرب إسرائيل في غزة، عاملاً آخر لفهم موقفها الرافض لإدانة إيران مباشرةً. يضاف إلى ذلك أن دعم البرازيل انضمام إيران إلى مجموعة بريكس العام الماضي بمنزلة تأييد كبير لطهران، وهو ما يتماشى مع مصالح البرازيل وشبكة علاقاتها الخارجية الأوسع، خاصةً تحالفاتها الوثيقة مع الصين وروسيا.تداعيات مهمةكان للهجمات التي شنتها إيران على إسرائيل، وما استتبعها من ردود أفعال قادة أمريكا اللاتينية، تداعيات ملحوظة على بلدانها؛ وذلك حسبما يتبين فيما يلي:1– تأجيج المخاوف الأمنية في الأرجنتين: تسبب الهجوم الإيراني على إسرائيل في إثارة مخاوف بعض قادة دول أمريكا اللاتينية بشأن أمنها القومي. كانت الأرجنتين المثال الأبرز على ذلك؛ حيث قام رئيسها "خافيير ميلي" عقب الهجوم مباشرةً بقطع جولته الخارجية وعاد إلى البلاد؛ حيث ترأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء. وقامت السلطات في 15 أبريل الجاري، برفع حالة التأهب الأمني على الحدود الشمالية؛ نظراً إلى تحالف بوليفيا العسكري مع إيران.وأشارت وزيرة الأمن الأرجنتينية "باتريشيا&nbsp;بولريتش" إلى "أن هناك مذكرة موقعة من بوليفيا وإيران"، وزعمت أن بوليفيا تمنح جوازات سفر لعملاء إيرانيين نتيجةً لاتفاق الدفاع بين طهران ولاباز، وهو ما نفته الأخيرة. وأوضحت&nbsp;بولريتش أن استراتيجية الأرجنتين تتماشى مع الاستراتيجية التي اعتمدتها الولايات المتحدة. ووفقاً لوسائل الإعلام المحلية، كانت إدارة ميلي حساسة بشأن العلاقة بين بوليفيا وإيران، على الأقل منذ فبراير الماضي، بعد اتفاقية التعاون لعام 2023 بين وزير الدفاع البوليفي إدموندو نوفيلو ونظيره الإيراني.ويخشى المسؤولون في الأرجنتين، التي تضم أكبر جالية يهودية في أمريكا اللاتينية، من أن يحاول المستشارون العسكريون الإيرانيون في بوليفيا تكرار تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس في عام 1992 وتفجير جمعية الرعاية الأرجنتينية الإسرائيلية (AMIA) في عام 1994. وقد خلَّف الهجومان أكثر من 100 قتيل ومئات الجرحى. وقضت أعلى محكمة جنائية في الأرجنتين في 12 أبريل الجاري بأن إيران وحزب الله مسؤولان عن التفجيرَين.2– زيادة التوترات السياسية الإقليمية: كان للصراع الإيراني الإسرائيلي الذي يدور على بُعد أكثر من 12000 كيلو متر عن منطقة أمريكا اللاتينية، هزات ارتدادية في الساعات القليلة التي تلت الهجوم الإيراني، وجاءت في تبادل الاتهامات بين دول المنطقة، التي تضيف إلى التوترات القائمة بالفعل حول قضايا مثل استبعاد مرشحي المعارضة في فنزويلا واقتحام الشرطة الإكوادورية للسفارة المكسيكية في كيتو. على سبيل المثال، أثارت وزيرة الأمن الأرجنتينية " باتريشيا بولريتش" المخاوف بشأن وجود خلايا تابعة لجماعة "حزب الله" المدعومة من إيران في منطقة إكيكي شمال تشيلي؛ ما أدى إلى حدوث أزمة دبلوماسية؛ إذ أرسل الرئيس التشيلي جابرييل بوريك مذكرة احتجاج إلى الأرجنتين؛ ما دفع الوزيرة بولريتش إلى الاعتذار، وهو ما قبلته تشيلي وتمت تسوية الأزمة بسرعة.3– تفاقم حدة الصدام الدبلوماسي بين واشنطن وتشيلي: أفاد سفير تشيلي لدى الولايات المتحدة خوان جابرييل فالديس، في 17 أبريل الجاري، بأنه أرسل رسالة إلى الكونجرس الأمريكي للتعبير عن انزعاجه من تصريحات السيناتور الجمهوري "ماركو روبيو"، الذي أشار إلى وجود روابط لحزب الله في تشيلي. وقال روبيو: "إن تشيلي عُوقِبت من قبل الولايات المتحدة لامتلاكها شركات يديرها حزب الله". وقال الدبلوماسي التشيلي في الرسالة: "لا توجد شركة يديرها حزب الله في تشيلي"، واصفاً تصريحات روبيو بأنها "إهانة للتشيليين"، و"عدم احترام للديمقراطية".4– تعقيد العلاقات اللاتينية الإسرائيلية: اتخذت عدد من دول أمريكا اللاتينية موقفاً ناقداً بشدة لحرب إسرائيل في غزة، وقطع بعضها العلاقات الدبلوماسية (بوليفيا) أو استدعت السفراء (كولومبيا وتشيلي وهندوراس)، وهو ما أدى إلى توتر شديد في علاقاتها بتل أبيب، التي هددت، على سبيل المثال، بوقف التعاون الأمني والعسكري مع كولومبيا. وأعلنت رئيس البرازيل "لولا دا سيلفا " "شخصاً غير مُرحَّب به" في إسرائيل. وأضاف التصعيد الإسرائيلي–الإيراني الأخير مزيداً من الآفاق القاتمة بشأن مستقبل العلاقات اللاتينية–الإسرائيلية.على سبيل المثال، تعرضت البرازيل لانتقادات واسعة لتجنبها إدانة الهجوم الإيراني بشدة. ووصف الاتحاد الإسرائيلي في البرازيل موقف حكومة الرئيس لولا دا سيلفا بأنه "مؤسف" و"محبط"، واتهمها بـ"الانحياز" إلى إيران. وفي السياق نفسه، قال السفير الإسرائيلي في البرازيل دانيال زونشاين، في وسائل الإعلام المحلية، إنه "يشعر بخيبة أمل" من موقف البرازيل. على النقيض من ذلك، انتقد سياسيو المعارضة في الأرجنتين ما وصفوه بـ"عدوانية" الرئيس خافيير ميلي في الدفاع عن إسرائيل.5– قلق بشأن المخاطر الاقتصادية: على الرغم من أن هجمات إيران على إسرائيل لم يكن لها تأثير ملموس ومباشر على اقتصادات أمريكا اللاتينية، لكن يخشى بعض المراقبين من أن تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتزايد أمدها، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ومن حيث القيمة الصافية، سيكون ذلك إيجابياً للاقتصادات المنتجة للنفط في المنطقة، وخاصةً كولومبيا والإكوادور، لكنه سيكون سلبياً بالنسبة إلى مستوردي النفط، الذين سيواجهون فواتير استيراد أعلى، وسيقود ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم. ومع إعادة فرض الولايات المتحدة في 17 أبريل الجاري عقوباتها النفطية على فنزويلا – وهي منتج كبير للنفط – فإن الآثار يمكن أن تكون أكبر على أسواق الطاقة في العالم والمنطقة. يضاف إلى ذلك، المخاوف بشأن زيادة التقلبات في أسواق رأس المال العالمية؛ ما قد يؤدي إلى تأجيل بعض عمليات تقديم العطاءات للحصول على الامتيازات والشراكات بين القطاعين العام والخاص في المنطقة.من جملة ما سبق، يمكن القول إنه في مواجهة هجوم إيران على إسرائيل، أظهرت بعض بلدان أمريكا اللاتينية وحدة في دعمها لإسرائيل وإدانة إيران، بينما تجنبت بلدان أخرى – ومعظمها من تلك التي يحكمها اليسار – انتقاد طهران مباشرة ودعت إلى إيجاد حل سلمي للأزمة ودعمت دور الأمم المتحدة في هذا الشأن؛ ما يسلط الضوء على انقسام المواقف في المنطقة تجاه الأحداث الجيوسياسية ذات الأهمية، التي يمكن أن يكون لها انعكاسات مباشرة على بلدانها. ويضيف هذا الانقسام مزيداً من التوترات داخل دول أمريكا اللاتينية وفيما بينها، كما يشكل تحدياً للتحالفات الدولية القائمة في المنطقة، ويمكن أن يُعقِّد المشهد الأمني الإقليمي.

كيف تفاعلت دول أمريكا اللاتينية مع الهجوم الإيراني على إسرائيل؟