ياسمين أيمن

أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن اختياره مذيع قناة فوكس نيوز والمحارب السابق بالجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان "بيت هيجيسيث" لمنصب وزير الدفاع الأمريكي. وقد طال هذا الترشيح العديد من الانتقادات بين الأوساط الأمريكية المختلفة، وخاصةً المشرعين داخل الكونجرس، الذين أبدوا استياءهم من هذا الترشيح، وغيره من الترشيحات التي أفصح عنها ترامب، والتي أظهرت بشكل لا لبس فيه أنه بنى اختياراته على أشخاص موالين له، يُفكِّرون بطريقته نفسها. وعلى الرغم من معارضة بعض الجمهوريين وانتقادهم لاختيار هيجيسيث لمنصب وزير الدفاع، فإن مجلس الشيوخ ذا الأغلبية الجمهورية سيصادق على تعيينه، ولكنها قد تتم ببطء في ضوء موالاة عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين بالمجلس لترامب، والخوف من مواجهته.أسباب الرفضهناك مجموعة من الأسباب تدفع الساسة والمشرعين والنخبة الأمريكية إلى انتقاد اختيار ترامب هيجيسيث لقيادة وزارة الدفاع (البنتاجون). ويمكن تسليط الضوء على أبرز هذه الأسباب فيما يلي:1– الخوف من تسييس وزارة الدفاع الأمريكية: يرى العديد من الرافضين لتعيين هيجيسيث أن تعيينه يأتي رغبةً في تسييس وزارة الدفاع الأمريكية، لتتماشى تحركاتها مع أهواء إدارة ترامب القادمة، وهو ما يُشكِّل خطراً على المؤسسات الأمريكية التي ستتحول من مؤسسات تقوم على استراتيجيات ورؤى طويلة الأمد، إلى مؤسسات تتوافق توجهاتها مع أهواء الأشخاص الذين يديرونها، وهو ما يتضح في مواقف المرشح بشأن مختلف القضايا، التي لا تنم عن خبرة عسكرية وتوازن بقدر ما تُنذِر بسياسات يمينية قد يسعى هيجيسيث إلى تطبيقها داخل وزارة الدفاع، خاصةً أنه قد أعرب عن رغبته في تصفية بعض قيادات البنتاجون، على غرار رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي كيو براون بسبب دعمه سياسات تقدمية.ومن الجدير بالذكر أن هناك أصواتاً محافظةً داخل الكونجرس داعمة لهيجيسيث، وترى أنه سيكون قادراً على إعادة هيكلة البنتاجون الذي تغلغل الفساد فيه، خاصةً أن هيجيسيث نفسه اتهم ثلث كبار الضباط العسكريين بالمشاركة في "تسييس الجيش الأمريكي"، من جراء دعمهم السياسات التقدمية التي ترتبط بتحقيق التنوع والشمول، والتي ساعدت على تعزيز خدمة المثليين والمتحولين جنسياً في الجيش الأمريكي خلال إدارة جو بايدن.2– نقص الخبرة التي يمتلكها المرشح لوزارة الدفاع: ينتقد العديد من المشرعين ترشيح مذيع قناة فوكس نيوز لهذا المنصب الذي يتطلب شخصية تمتلك قدراً كبيراً من الخبرة والدراية بمختلف الأمور اللوجستية الخاصة بوزارة الدفاع. وبالرغم من حصول هيجيسيث على نجمتين برونزيتين بسبب انخراطه في المعارك العسكرية، فإنهم يرون أنه صاحب خبرة محدودة. هذا وقد تخرج هيجيسيث في جامعتَي هارفارد وبرينستون، ومنذ عام 2006، عمل رئيساً تنفيذياً لمنظمة تدافع عن المحاربين القدامى معروفة باسم "كونسيرند فيترينس فور أمريكا" Concerned Veterans for America، ليتجه فيما بعد إلى الإعلام من خلال قناة فوكس نيوز التي انضم إليها في عام 2014، وبدأ العمل مذيعاً بها في عام 2017 من خلال برنامج "فوكس آند فريندز ويكاند" Fox and Friends Weekend.وخلال الفترة نفسها، كان هيجيسيث أحد ضباط المشاة في الجيش، وتحديداً خلال الفترة من 2002 حتى 2021، وتدرج في الرتب حتى وصل إلى رتبة رائد. وامتلك هيجيسيث قدراً من الخبرة بسبب عمله داخل منطقة الشرق الأوسط؛ فمثلاً خلال عام 2006، خدم في العراق فترة تقترب من العام، بجانب خدمته في خليج جوانتانامو بكوبا في القاعدة العسكرية الأمريكية هناك، خلال الفترة من يونيو 2004 إلى أبريل 2005، فضلاً عن خدمته لمدة ثمانية أشهر في أفغانستان في عام 2011. وفي المجمل تصل خبرته العسكرية إلى 20 عاماً، ولكنها خبرة مقاتل، وليس إدارياً محنكاً قادراً على إدارة وزارة من أهم وزارات الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، تتخطى ميزانيتها 800 مليار دولار، وتضم ملايين الموظفين مختلفي الخلفية.3– اتهام ترامب باختيار شخصيات لا تعارضه: يتهم عدد من الساسة الأمريكيين ترامب بتعمده اختيار شخصيات لا تمتلك خبرة أو رؤى قوية؛ لأنه لا يرغب أن يكون هناك صوت يعلو على صوته داخل الإدارة الأمريكية القادمة التي من المقرر أن تتولى مقاليد الحكم في 20 يناير القادم، وهو ما يعني تمهيد الطريق نحو تأسيس "الرئاسة الإمبراطورية" the Imperial Presidency – مثلما يقول الصحفي الأمريكي المخضرم بوب وودوارد – التي تزداد فيها سلطات وقوة رئيس الولايات المتحدة على المؤسسات.4– الخوف من نشر هيجيسيث الأفكار اليمينية المتطرفة: هناك مخاوف من وجود أفكار يمينية متطرفة لدى المرشح لوزارة الدفاع. ووفق ما صرَّح به هيجيسيث فقد تم إقصاؤه كأحد جنود الحرس الوطني من حفل تنصيب الرئيس جو بايدن في عام 2021؛ بسبب وشم يحمل رسم صليب. وقد أشارت رابطة مكافحة التشهير ومركز القانون الجنوبي إلى أن هذا الوشم تستخدمه الجماعات الدينية المتطرفة المناهضة للمسلمين في الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بإقصاء هيجيسيث من حفل التنصيب، فقد تم الإعلان بالفعل عن إقصاء بعض الجنود، ولكن لم يتم الإفصاح عن هويتهم، إلا أن مكتب الحرس الوطني أوضح أن الجنود الاثني عشر الذين تم إقصاؤهم، يشتبه في وجود علاقة بينهم وبين جماعات متطرفة، ولكن هذه العلاقات غير مؤكدة. وبما أن ترامب شخصية ذات أفكار عنصرية متطرفة، فمن غير المستبعَد أن يستمر هيجيسيث في تبني الأفكار ذاتها، خاصةً أن ترامب ينتقي الشخصيات التي تؤمن بأفكاره نفسها.5– رفض هيجيسيث وجود النساء في الجيش الأمريكي: أعرب هيجيسيث عن رفضه مشاركة النساء في العمليات الحربية التي يجريها الجيش الأمريكي، منتقداً قرارات الرئيس الأسبق باراك أوباما التي ساعدت على انضمام النساء إلى مختلف الوحدات القتالية في الجيش الأمريكي، والتي "لم تعزز من قدرات الجيش الأمريكي، بقدر ما أضعفته، وجعلته أقل قوة من جيوش أخرى"، موضحاً أن النساء لا يمتلكن قدرات الرجال الجسدية، واصفاً إياهن خلال لقاء مع المعلق المحافظ بن شابيرو في يونيو الماضي بأنهن "مانحات للحياة، ولسن منقذات لها"، وهو ما دفع واحدة من قدامى المحاربين، وتحديداً أليسون جاسلو الرئيسة التنفيذية لجمعية قدامى محاربي أمريكا في العراق وأفغانستان إلى التصريح بأن "العديد منهن أشد صلابةً من العديد من نظرائهن من الذكور"، موضحةً أن ثقافة وزارة الدفاع يجب أن تقوم على المشاركة لا على الإقصاء، وهو أمر يجب أن يؤمن به المرشح لمنصب وزير الدفاع.6– انتقاد أخلاقيات المرشح للوزارة بشأن الحروب: يشير المتخوفون من وصول هيجيسيث إلى منصب وزير الدفاع إلى مواقفه الأخلاقية المختلفة في ساحات القتال؛ إذ أعرب على سبيل المثال عن موقف مناصر ومساند للقوات المتهمة أو المدانة "بارتكاب جرائم حرب" في ساحات القتال. ودعا هيجيسيث ترامب في عام 2019، ولكن سراً، إلى العفو عن اثنين من المحاربين القدامى المتهمين؛ ما دفع ترامب إلى العفو عن بعض المحاربين القدامى المتهمين، في خطوة أثارت انتقادات واسعة من جانب العديد من الجهات والشخصيات، وعلى رأسهم وزير دفاع حينذاك مارك إسبر، ممن رأوا بأن خطوة ترامب تعد تدخلاً في استقلال القضاء العسكري، لكنَّ هناك آخرين رأوا أنها خطوة صحيحة؛ لأن هؤلاء المحاربين يكونون مضطرين إلى تنفيذ بعض الأعمال "القذرة" على أرض المعركة، ومن ثم فهم غير ملومين.7– امتلاك رؤية مشابهة لترامب بشأن موسكو وبكين: يرى هيجيسيث أن روسيا لن تكون قادرة على غزو جميع الأراضي الأوروبية والسيطرة عليها، كما يتم التحذير، موضحاً أن ربط الحرب الروسية الأوكرانية بهذا السبب غير صحيح، موضحاً أن استمرار هذه الحرب، وتشجيع أوكرانيا على توجيه المزيد من الضربات إلى روسيا، قد يتسبب في أذى كبير لواشنطن والعالم، خاصةً أنه قد يدفع موسكو إلى استخدام السلاح النووي. وعلى صعيد آخر، فإنه يرى أن نظام المشتريات المعمول به داخل البنتاجون يجب أن يتم تغييره وتطويره ليكون الجيش الأمريكي قادراً على هزيمة نظيره الصيني الذي يعمل على تطوير قدراته بشكل مستمر، مشيراً إلى أن التكنولوجيا المستخدمة في الجيش الأمريكي يجب أن تكون أكثر تطوراً. وبالرغم من أن توجهاته بشأن بكين تتماشى مع توجهات النخب الأمريكية في المطلق، فإن آراءه بشأن موسكو تنذر بأن واشنطن خلال عهد ترامب قد ترفع يدها عن دعم كييف؛ ما سيمنح قوة أكبر لموسكو من وجهة نظر الكثيرين.معضلة الخبرةإجمالاً، يمكن القول إن ترشيح هيجيسيث على الرغم من حجم الانتقادات التي طالته، سيُمرَّر داخل مجلس الشيوخ الأمريكي. والمشكلة الحقيقية هنا لا تتجلى في شخص هيجيسيث بقدر ما تتجلى في شخص ترامب، الذي تنذر ترشيحاتُه المختلفة بوجود حكومة فيدرالية أغلب أفرادها – من المرشحين حتى الآن – ليسوا تكنوقراطاً، ولا يملكون خبرات كبيرة تناسب تلك المناصب، بيد أنهم من الموالين لأفكار وتوجهات ترامب؛ ما يعني أن مقولة نجل ترامب السابقة تتحقق حول أن الأفراد المُعيَّنين يجب أن يكونوا موالين لوالده، بما يشير كذلك إلى أن الإدارة القادمة ستسير وفق أهواء ترامب، ولن تجد من يحد من تهوره بشكل معقول. أما ما يتعلق بتسييس البنتاجون، فقد سبق أن تم اتهام إدارة بايدن أيضاً بالأمر ذاته حينما طبَّق أفكاراً تقدمية؛ ولذا فمن المتوقع أن تسعى كل إدارة إلى تطبيق أفكارها داخل المؤسسات الأمريكية. وقد ساعد تدخُّل إدارة بايدن في البداية في بعض سياسات البنتاجون في الدفع نحو تدخُّل أكبر من الإدارات القادمة.

تصاعد رفض تعيين "هيجيسيث" وزيراً للدفاع في الإدارة الأمريكية الجديدة