ياسمين أيمن

على غرار ما يحدث مع بقية المؤسسات الأمريكية الفيدرالية أو الولائية أو حتى الخاصة التي تعارض توجهات ترامب مثل مكاتب المحاماة، تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى السيطرة على مختلف الجامعات الأمريكية، من حيث التدخل في سياسات الجامعات، وتقويض "حرية الرأي والتعبير" وفقاً لبعض أساتذة الجامعات، عبر منع الطلاب من التعبير عن آرائهم، وخاصةً ما يرتبط بالقضية الفلسطينية؛ فقد تم تهديد هذه الجامعات بقطع المِنَح الفيدرالية التي تحصل عليها أو حرمانها من الإعفاءات الضريبية.وقد استجابت بالفعل بعض الجامعات لمطالب إدارة ترامب، ولكن هناك جامعات أخرى تتحدى ترامب بقوة، وعلى رأسها جامعة هارفارد التي ترفض الانصياع لإدارة ترامب بشأن تغيير سياساتها، بما يتضمن التوقف عن تطبيق برامج التنوع والمساواة والإدماج عند التوظيف أو اختيار الطلاب، مع تغيير القيادات، وإجراء تغييرات بالطرق التي تسمح بتكوين تجمعات طلابية، وكذا تلك الخاصة بتنظيم الوقفات الاحتجاجية التي تساعد على خلق بيئة معادية للطلاب اليهود من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، في إشارةٍ إلى الاحتجاجات المناهضة لحرب الإبادة الجماعية، علاوةً على كتابة تقرير ربع سنوي حول إنجازات الجامعة من تلك الأهداف، وتقديمه إلى الحكومة الفيدرالية حتى عام 2028.ملامح الصدامهناك بعض الملامح التي تدلل على حدوث صدام بين الجامعات الأمريكية وإدارة ترامب، وخاصةً بسبب اعتراض ترامب على سماح الجامعات للطلاب بإجراء احتجاجات اعتراضاً على الحرب الإسرائيلية غير المتكافئة على سكان قطاع غزة، ومطالبة الجامعات بفسخ عقود التعاون مع الشركات التي تدعم إسرائيل. وفيما يلي يمكن توضيح ملامح هذا الصدام:1– سحب وتجميد التمويلات الفيدرالية المخصصة لبعض البرامج الأكاديمية: تقوم إدارة ترامب في الوقت الراهن باستغلال التمويلات الفيدرالية لتهديد الجامعات التي لا تستجيب لتغيير سياستها. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن تجميد مِنَح فيدرالية بقيمة مليارات الدولارات خاصة بجامعة ماساتشوستس، كما تم إيقاف تمويلات فيدرالية بنحو 2,7 مليون دولار إلى جامعة هارفارد؛ بسبب اتهامها بتمويل أبحاث تحريضية ومنحازة، ولا تصب في صالح دافعي الضرائب. وفي هذا الصدد، كتب ترامب عبر منصته الاجتماعية تروث سوشيال: "جامعة هارفارد مجرد مزحة، وتُعلِّم الكراهية والغباء، ولا ينبغي لها أن تتلقى أموالاً فيدرالية بعد الآن".2– تدخُّل وزارة الخارجية لإلغاء إقامة طلاب الجامعات: في ظل عمليات إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب، تأبى وزارة الخارجية الإفصاح عن قوائم الطلاب المعرضين للترحيل، تاركةً الجامعات في وضع متخبط بسبب عدم قدرتهم على توفير الحماية القانونية للطلاب المعرضين للترحيل أو الملاحقة القضائية من وزارة العدل الأمريكية؛ فعلى سبيل المثال، أنهت السلطات الفيدرالية بدون إخطارات رسمية إقامة 25 طالباً في جامعتي جورج ميسن وجورج تاون. وهناك ما يزيد عن 1300 طالب داخل نحو 210 جامعات أمريكية تم إلغاء إقاماتهم.3– توسيع عملية اعتقال وملاحقة الطلاب الأجانب: ظهرت قضايا متعددة تستهدف الطلاب أو أساتذة الجامعات؛ وذلك على غرار قضية طالبة جامعة تافتس "روميسا أوزتورك"، التي اعتقلتها قوات تابعة لوزارة الأمن الداخلي في 25 مارس بتهمة دعمها لحماس، وقد تم نشر مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية في مارس الماضي، أوضحت خلالها أنه لم يستدل على دليل على دعم أوزتورك لحماس أو معاداتها للسامية، ومع ذلك يمكن لوزير الخارجية استغلال قانون يسمح له بإلغاء تأشيرات الأفراد غير الأمريكيين.وعلى صعيد آخر، فإنه في ظل تمسك جامعة هارفارد بموقفها، تلقت الجامعة تهديداً مباشراً من كريستي نويم وزيرة الأمن الداخلي بعرقلة قدرة الجامعة على "قبول الطلاب الأجانب" من خلال حرمان الجامعة من شهادة برنامج الطلاب والزائرين المتبادلين بحلول 30 أبريل الجاري؛ وذلك إذا لم تقدم الجامعة "سجلات الطلاب الأجانب الذين شاركوا في أنشطة غير قانونية أو عنيفة".4– تهديد بإلغاء الإعفاءات الضريبية: بالرغم من أن عملية الإعفاءات الضريبية التي تُمنح للجماعات الدينية والمنظمات غير الربحية، ومنظمات الرعاية الاجتماعية، و"بعض المؤسسات التعليمية التي تستوفي معايير الحكومة شريطة عدم المشاركة في الأنشطة السياسية"، تقع ضمن نطاق اختصاصات دائرة الإيرادات الداخلية، فإن ترامب هدد جامعة هارفارد بحرمانها من الإعفاءات الضريبية التي تصل إلى ملياري دولار، وهو ما بدأت دائرة الإيرادات الداخلية بالنظر فيه بناءً على طلب من وزارة الخزانة.تداعيات متعددةمن المتوقع أن تكون لحملة ترامب وفريقه مجموعة من التداعيات، سواء كانت بشكل مباشر على الجامعات، أو بشكل غير مباشر على الولايات المتحدة الأمريكية في المجمل، وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه فيما يلي:1– تسييس نتائج البحث العلمي: من المتوقع أن تكون هذه النتيجة على رأس تداعيات سياسات إدارة ترامب الراهنة؛ فإذا كانت بعض نتائج الدراسات الأكاديمية مخالِفة لإدارة ترامب، فإن الجامعات سيكون عليها عدم الإفصاح عن محتواها، وإلا فستتعرَّض لأشكال مختلفة من العقاب من جانب إدارة ترامب؛ بدءاً بالتشهير بالجامعة وأبحاثها، وصولاً إلى محاولة فصل موظفيها، وترحيل طلابها من المهاجرين، أو حرمانها من التمويلات الفيدرالية؛ ولذلك ستكون هناك بعض الجامعات، إن لم يكن أغلبها مع نهاية ولاية ترامب، ستكون مضطرة إلى تغيير نتائج أبحاثها؛ خوفاً من الاستهداف من جانب ترامب وفريقه، وهو ما سيؤثر على سمعة ومعدلات إنتاج البحث العلمي الأمريكي. وجدير بالذكر أن جامعة كولومبيا، وعلى الرغم من موافقتها على تغيير سياستها انصياعاً لرغبات إدارة ترامب، حتى تحصل على 400 مليون دولار من المِنَح المخصصة لها التي تم تجميدها؛ أجرت الحكومة الفيدرالية تخفيضات جديدة على المِنَح المقدمة لها.2– فقدان جاذبية الولايات المتحدة كوجهة مميزة للتعليم: من المتوقع أن يكون هناك تأثير لعمليات ترحيل واستهداف الطلاب الأجانب، التي أعلن وزير الخارجية مايك روبيو عن نيته في توسيعها؛ حيث يتم ترحيل الطلاب بالرغم من امتلاكهم إقامات قانونية خاصة بالطلاب. وفي الوقت الراهن، هناك فريق مخصص لمراقبة أنشطة الطلاب ومنشوراتهم على منصات مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يتم استهداف من أعرب عن دعمه لحماس أو القضية الفلسطينية، ويتم اعتباره مروجاً لمعاداة السامية. وعلى نحو آخر، يتم اتهام بعضهم بارتكاب جرائم بسيطة، مثل مخالفة إشارات المرور، أو العمل بدون الحصول على تصريح. كل ذلك، مع مرور الوقت، سيُفقِد الطلاب الأجانب الرغبة في السفر للدراسة في الولايات المتحدة خوفاً من التضييق على حرياتهم.3– انقسامات داخل الكونجرس الأمريكي حول سياسات ترامب تجاه الطلاب الأجانب: بالرغم من دعم عدد كبير من الجمهوريين داخل الكونجرس لسياسات ترامب المختلفة، فإن هناك عدداً من أعضاء الكونجرس الجمهوريين، منهم السيناتور الجمهوري عن ولاية أوكلاهوما "جيمس لانكفورد" انتقدوا آلية تعامل إدارة ترامب مع الطلاب الأجانب، وأكَّدوا ضرورة "معاملتهم بشكل عادل"، كما انتقد المشرعون الديمقراطيون ما يحدث بحق الطلاب من عمليات استهداف وتهديد واعتقال، واتهموا الإدارة بمحاولة انتهاك الدستور والقانون الأمريكي الذي يكفل حرية الرأي والتعبير، وأكدوا ضرورة حماية الطلاب الأجانب الذين يملكون أوراق إقامة قانونية في الولايات المتحدة، كما طالبوا بالإفراج الفوري عن الطالب الناشط في القضية الفلسطينية محمود خليل، الذي قاد تظاهرات جامعة كولومبيا المؤيدة للقضية الفلسطينية، من خلال عريضة وقَّع عليها نحو 11 مشرعاً قادتهم المشرعة الديمقراطية في الكونجرس من أصول فلسطينية رشيدة طليب.4– إسكات الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية: بالرغم من أن هذه القضية كانت سبباً من أسباب فوز الرئيس ترامب خلال انتخابات نوفمبر 2024؛ بسبب اعتراض الناخبين من أصول عربية ومسلمة على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الحرب على قطاع غزة، وتوجههم نحو التصويت لترامب الذي وعد بإنهاء الحروب داخل منطقة الشرق الأوسط؛ فإن تعامل ترامب الحالي مع التظاهرات والطلاب التي شاركوا فيها، يدلل على رغبته في محو أي وسيلة يمكن من خلالها دعم القضية الفلسطينية، سواء من خلال التظاهرات السلمية المكفولة بموجب القانون، أو من خلال منع الحديث عن القضية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.5– تهديد الأبحاث الطبية وتداعي الصحة العامة: تُخطِر إدارة ترامب الجامعات برغبتها في إحداث تغييرات، ولكنها لا تعطي لها الوقت المناسب حتى تقوم بإجراء التغييرات المطلوبة؛ حيث إنها تشرع في تخفيض التمويلات الفيدرالية، وهو ما حدث مع جامعة هارفارد التي أعلنت عن رفضها سياسات ترامب المفروضة عليها، وأوضحت أن تلك السياسات مخالفة لأحكام المحكمة العليا التي تمنح الجامعات الحرية داخل حرمها الجامعي لضمان استقلالية التعليم؛ ولذلك تم إيقاف مِنَح فيدرالية تُقدَّم للجامعة بقيمة 2,2 مليار دولار؛ ما دفع أستاذ الطب بجامعة هارفارد الحائز على جائزة نوبل "ديفيد والت" إلى التصريح بأن هذا التوقف سيعوق الأبحاث الطبية داخل الجامعة، كما سيحد من انضمام الباحثين إلى هذا المجال مستقبلاً، بما سيؤثر على الصحة العامة داخل الولايات المتحدة، ويحد من الاكتشافات الطبية لعلاج الأمراض المستعصية.تداعي وشيكإجمالاً، فإن محاولة إدارة ترامب التدخل في آليات عمل المؤسسات التعليمية سيكون وخيماً؛ لأنه لا يؤثر على تلك المؤسسات وحدها، بل ينعكس على أهم ما تتميز به الولايات المتحدة، وهو الريادة العلمية، ويفتح المجال أمام الدول المنافسة لتحل محل واشنطن، التي تسعى إلى تضييق الخناق بشتى الطرق على الهجرة إلى الولايات المتحدة، سواء كانت بأسباب قانونية أو غير قانونية، بعدما كانت تمثل أرض الفرص والأحلام.

تداعيات سعي الرئيس ترامب إلى السيطرة على الجامعات الأمريكية