سارة خليل

وقَّع وزيرا خارجية رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية "أوليفييه ندوهونجيريهي"، و"تيريز كاييكوامبا فاجنر" – بحضور وزير الخارجية الأمريكي "ماركو روبيو"، في واشنطن، في 27 يونيو 2025 – اتفاق سلام تاريخياً بوساطة أمريكية بهدف إنهاء عقود من الصراع الدموي، الذي دام لأكثر من ثلاثة عقود، والذي أسفر عن وقوع آلاف القتلى، ونزوح الملايين. وتعهد وزيرا خارجية البلدَين الأفريقيَّين، بتنفيذ اتفاق عام 2024 الذي من شأنه أن يشهد انسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو في غضون 90 يوماً. وأشار الاتفاق إلى أن كيجالي وكينشاسا ستطلقان أيضاً إطاراً للتكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يوماً.وعقب توقيع الاتفاق، الذي قد يُمثِّل بداية نهاية واحدٍ من أكثر الصراعات الإقليمية استمراراً في أفريقيا؛ صرَّح الرئيس "دونالد ترامب" قائلاً: "اليوم، انتهى العنف والدمار، وبدأت المنطقة بأكملها فصلاً جديداً من الأمل والفرصة والازدهار والسلام"، مُشيراً إلى أن رئيسَي البلدَين سيعودان قريباً إلى البيت الأبيض؛ لوضع اللمسات الأخيرة على البروتوكول والاتفاقية بالكامل، وحضور حفل توقيع (اتفاق واشنطن)".دلالات متعددةيمثل الاتفاق خطوةً مبدئيةً نحو تخفيف التوترات في شرق الكونغو، التي تعاني من تجدد هجمات حركة 23 مارس. وبموجب شروط الاتفاق، الذي يشتمل على ضمانات أمنية، وخطط لنزع السلاح، وإطار للتعاون الاقتصادي الإقليمي؛ وافقت الكونغو ورواندا على احترام كلٍّ منهما سلامة أراضي الأخرى، ووقف الأعمال العدائية، مع تمهيد الطريق لمزيد من الاستثمار الأمريكي في المعادن الحيوية في الكونغو. وفي ضوء ذلك، يحمل هذا الاتفاق العديد من الدلالات التي يمكن إجمالها فيما يلي:1– اعتماد إدارة ترامب على سياسة المعاملات التجارية في أفريقيا: تبنى الدبلوماسيون الأمريكيون، في الأشهر الأخيرة، نهجاً قائماً على المعاملات التجارية، وهو النهج الذي قد يُفضي إلى تعاون أمني جديد مع المجالس العسكرية في منطقة الساحل؛ للحد من توسع الجماعات الإرهابية. وحالياً، تسعى إدارة "ترامب" إلى تبني النهج ذاته من أجل الوصول إلى الموارد المعدنية للكونغو، التي يُعد الكثير منها بالغ الأهمية للتقنيات العسكرية والمدنية الناشئة، مقابل عقد اتفاق سلام، وتقديم ضمانات أمنية للكونغو. 2– التزام طرفَي النزاع بإعلان أبريل 2025: أكدت كل من رواندا والكونغو، بتوقيعهما على اتفاق السلام في واشنطن، الالتزام المتبادل مجدداً باحترام إعلان المبادئ الذي وقَّعه الطرفان في 25 أبريل 2025، على أساس الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية، والتسوية السلمية للنزاعات، بالإضافة إلى إقرارهما بضرورة التوصل إلى حل سياسي تفاوضي – بدلاً من الحل العسكري – لنزاعاتهما، واستئناف العلاقات الثنائية الطبيعية بين الطرفين، وأيضاً الالتزام بتعزيز الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.3– رغبة مشتركة في منع تجدد الأعمال العدائية: يأتي هذه الاتفاق في ظل تجدد انعدام الأمن الناجم عن عودة ظهور حركة 23 مارس، التي استولت منذ عام 2022 على مساحات شاسعة في مقاطعتَي شمال وجنوب كيفو. وفي أعقاب تصعيد كبير هذا العام، حقَّقت جماعة 23 مارس المتمردة تقدماً إقليمياً سريعاً ضد الجيش الكونغولي وحلفائه في شرق الكونغو، بالسيطرة على مدينتي جوما وبوكافو الاستراتيجيتين، اللتين تضمان بعضاً من أغنى رواسب المعادن الأرضية النادرة في العالم، وهي معادن ضرورية لكل شيء من السيارات الكهربائية إلى الهواتف الذكية، بالإضافة إلى مطارين. وقد أسفر هذا التصعيد عن مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف.4– نجاح الجهود الدبلوماسية الأمريكية: يُعد هذا الاتفاق التاريخي، الذي يسعى إلى تحقيق الاستقرار في شرق الكونغو، هو ثمرة شهور من الدبلوماسية الهادئة بقيادة "مسعد بولس" المستشار الخاص للولايات المتحدة لشؤون أفريقيا. وتسعى واشنطن إلى تسهيل التعاون في الكونغو بشأن استخراج المعادن الأرضية النادرة والاتجار بها مقابل ضمانات أمنية لمواجهة هيمنة الصين على هذا القطاع.وعلى غرار اتفاقية المعادن الأمريكية–الأوكرانية الأخيرة، تُوازِن هذه الاتفاقية بين وصول الولايات المتحدة إلى الموارد وبين حصول جمهورية الكونغو على الاستقرار السياسي؛ فهي بذلك تُشير إلى إدراك متزايد في واشنطن بأن مرونة سلسلة التوريد ليست مجرد ضرورة تجارية، بل هي ضرورة دبلوماسية وأمنية.5– رغبة رواندا في تعديل صورتها الدولية: تُشير تقارير عدة إلى أن دعم رواندا الطويل الأمد للجماعات المسلحة في منطقة وسط أفريقيا، وخاصة جماعة 23 مارس، ساهم في انتشار الجماعات المسلحة. ووفقاً لتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة لعام 2023، قدَّمت رواندا دعماً عسكرياً مباشراً لحركة 23 مارس، تضمن دعماً بالقوات والأسلحة، على الرغم من نفي كيجالي المتكرر لذلك. وقد أدت هذه الإجراءات إلى مزيد من زعزعة استقرار المناطق الحدودية، وإشعال التوترات في شرق الكونغو.نتائج محتملةثمَّة عدد من النتائج يمكن أن تَنجُم عن هذا الاتفاق، وهي النتائج التي نتناولها على النحو التالي:1– جذب الاستثمارات الغربية إلى الكونغو الديمقراطية: إذا ساهم الاتفاق في تهدئة الأوضاع في شرق الكونغو، فسيؤدي ذلك إلى جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الغربية إلى منطقة غنية بالتنتالوم والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم ومعادن أخرى تدخل في جميع أشكال مُعدَّات الدفاع المُتقدِّمة المُصنَّعة اليوم تقريباً. وتُقدِّر وزارة التجارة الأمريكية قيمة المعادن غير المُستغلة في معظمها بما يصل إلى 24 تريليون دولار.2– تعزيز المكانة السياسية لإدارة "ترامب": استغلَّ "ترامب" هذا الاتفاق ليُصوِّر نفسه أنه صانع سلام عالمي، حتى مع سعيه إلى النأي بنفسه عن صراعات أخرى وعد سابقاً بإنهائها سريعاً، مثل الحرب في أوكرانيا؛ فقد روَّج لوقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه بين إسرائيل وإيران، وجهوده الرامية إلى إقناع حلف الناتو بقبول طلبه بزيادة الإنفاق العسكري، خلال ترؤسه حفل الاتفاق مع الدبلوماسيين الأفارقة في البيت الأبيض. وشكَّل أسلوب "ترامب" الاحتفالي تحولاً حاداً عن خطابه المعتاد حول أفريقيا والكونغو الديمقراطية؛ فقد صرَّح الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً، من دون دليل، بأن الكونغو تُفرِّغ سجونها وتُرسل مُرتكبي أعمال العنف إلى الحدود الأمريكية، كما صرح بأن إدارته تدرس توسيع نطاق حظر السفر ليشمل البلاد.3– دعم تحركات واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا: يُمثل الاتفاق جوهر جهود الحكومة الأمريكية لمواجهة الصين في أفريقيا؛ فقد لعبت الشركات الصينية، على مدار سنوات عديدة، دوراً رئيسياً في قطاع المعادن بالكونغو؛ حيث تعتمد مصافي الكوبالت الصينية، التي تُنتِج غالبية الإمدادات العالمية، اعتماداً كبيراً على الكونغو. وبينما تعتبر الكونغو هي أكبر مورد للكوبالت في العالم، فإن الشركات الصينية تعد من أكبر شركات التعدين والمشترين للمعادن عالمياً.4– زيادة التنافس بين الدول الكبرى في أفريقيا: ستراقب الصين، التي تحتكر صناعة الكوبالت الضخمة في الكونغو، نتائج هذه الصفقة عن كثب؛ نظراً إلى أهمية المعادن الأساسية لصناعاتها التحويلية وللتطبيقات التجارية والدفاعية. وقد أفادت التقارير بأن الصين زودت كلاً من جمهورية الكونغو ورواندا بالأسلحة. وقد تختبر هذه الصفقة قدرة النفوذ الصيني على إدارة المنطقة، كما أن لروسيا تاريخاً عريقاً مع الكونغو، وستكون بالتأكيد على أهبة الاستعداد لنشر معلومات مُضللة حول نوايا الولايات المتحدة من الصفقة.5– استمرار المخاوف من عرقلة بعض الفاعلين الاتفاق: صحيحٌ أن الاتفاق يمثل جهداً جاداً لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف، وجعل منطقة البحيرات العظمى أكثر استقراراً وازدهاراً، بيد أن هناك تحديات قد تعرقل تنفيذ بنود الاتفاق، ومن أبرزها استبعادُ الاتفاقِ العديدَ من الأطراف الرئيسية في الصراع، ومن بينهم حركة 23 مارس، بالإضافة إلى أوغندا وبوروندي، اللتين لديهما قوات في شرق الكونغو، مثل رواندا؛ فقد أشار متمردو حركة 23 مارس إلى أن الاتفاق لن يكون مُلزماً لهم. ولم تُشارك الجماعة المتمردة بشكل مباشر في اتفاق السلام، على الرغم من مشاركتها في محادثات سلام أخرى جارية.6– تزايد الجدل حول حدود دور واشنطن في تطبيق الاتفاق: قد يعتمد التزام الحكومة الأمريكية بالاتفاق على مدى وصولها إلى المعادن. ومن ثم فإن الاتفاق يخاطر بتقليص فرص السلام إلى مجرد التبادل التجاري؛ هذا بالإضافة إلى التخفيضات الأخيرة في قدرة الولايات المتحدة على تقديم برامج المساعدات والتنمية، التي من شأنها أن تكون أداةً حيويةً في المساعدة على بناء السلام، وكذلك غموض طبيعة مشاركة الولايات المتحدة في التنفيذ الدبلوماسي والاقتصادي الطويل الأمد للصفقة، وخاصةً في ظل انشغالها بتطورات الأوضاع في غزة وأوكرانيا واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.عوامل حاكمةإجمالاً، يمكن القول إنه على الرغم من عدم وجود أفق حقيقي وتحركات جادة على أرض الواقع، تشير إلى قرب انتهاء المواجهات بين جيش الكونغو وحركة 23 مارس؛ فإن الإعلان عن اتفاق السلام والمعادن الحيوية بين الولايات المتحدة وجمهورية الكونغو، قد يضمن نجاح الاتفاق، وإن ظل ذلك الأمر مرتبطاً ببعض العوامل الحاكمة، وفي مقدمتها استدامة المشاركة الأمريكية، ومتابعة تنفيذ الاتفاق من خلال تقديم الدعم الفني وسبل التمويل والدبلوماسية، بالإضافة إلى تمكين الجهات الفاعلة الكونغولية والرواندية – وخاصةً المجتمع المدني والشركات المحلية – التي يمكنها ضمان تقاسم الثروة المعدنية بشكل عادل وإدارتها بمسؤولية، علاوةً على ضمان التزام البلدين وشركائهما الإقليميين والدوليين بشروط الاتفاق، وأخيراً معالجة حكومة الرئيس "فيليكس تشيسكيدي" لقضايا الفساد وإرساء سيادة القانون.

ما تداعيات اتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا؟