د. منى سليمان

وقَّع وزير الدفاع الفلبيني "جيلبرتو تيودورو" مع نظيره الألماني "بوريس بيستوريوس"، يوم 14 مايو 2025 في برلين، على "اتفاقية تعاون دفاعي مشترك" بين الدولتين، تتضمن توسيع التعاون في مجالات الأمن السيبراني وأنظمة الأسلحة والخدمات اللوجستية العسكرية، وكذلك في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وتعكس الاتفاقية اهتمام الدولتين بتطوير التعاون الاستراتيجي بينهما بما يحقق مصالحهما المشتركة، كما أنها تأتي تفعيلاً لنتائج زيارة "بيستوريوس" إلى مانيلا في أكتوبر 2024، التي أسفرت عن توافق لتعزيز العلاقات الطويلة الأمد بين جيشَي الدولتَين. وهذا التعاون العسكري بين الفلبين وألمانيا سيعمل على تعزيز قدرة الفلبين على مواجهة التهديدات الصينية لها إثر النزاع الحدودي بينهما ببحر الصين الجنوبي، كما سيعمل على تعزيز الوجود العسكري الألماني بجنوب شرق آسيا وإقليم "الهندوباسيفيك"، وسيُلقي بظلاله على الترتيبات الأمنية بالمنطقة، في ظل تصاعد أهميتها الجيوستراتيجية الراهنة.أبعاد رئيسيةيستدعي التوقيع على اتفاق التعاون الدفاعي بين الفلبين وألمانيا عدداً من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1– تطوير التعاون الدفاعي بين الدولتين: بحسب ما تم الإعلان عنه، فإن الاتفاق الذي وقَّع عليها وزيرا الدفاع الفلبيني والألماني، يشمل توسيع التعاون بين الدولتين ليشمل الأمن الإلكتروني والتسليح الدفاعي واللوجستيات ومهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حسبما ذكرت وزارة الدفاع في مانيلا.والجدير بالذكر أنه خلال زيارة وزير الدفاع الألماني "بوريس بيستوريوس" في أغسطس 2024 إلى مانيلا، أوضح "بيستوريوس" أنه سيكون التعاون وفق "الاتفاق الدفاعي" بمجالات الدفاع الجوي والدفاع البحري وطائرات النقل العسكرية، وكشف عن بدء مرور قطع بحرية ألمانية في بحر الصين الجنوبي (فرقاطة وسفينة إمداد تابعة للبحرية) لتوضيح أن ألمانيا تعتبر البحر مياهاً دوليةً وليس (مياهاً إقليمية) تابعة للصين.2– دعم أطر التعاون المشترك بين ألمانيا والفلبين: يأتي التوقيع على الاتفاق الدفاعي في إطار حرص الطرفين على تطوير مختلف أوجه التعاون بين الدولتين؛ حيث تعد ألمانيا شريكاً تجارياً مهماً لمانيلا؛ ففي عام 2022، كانت ألمانيا الشريك التجاري الثاني عشر للفلبين. وفي فبراير 2025، بلغت قيمة صادرات الفلبين إلى ألمانيا 271 مليون دولار أمريكي، مسجلةً زيادةً بنسبة 29% مقارنةً بفبراير 2024؛ حيث بلغت 210 ملايين دولار أمريكي. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، نمت التجارة بمعدل سنوي بلغ 3.62%، كما رحَّبت برلين باستئناف التفاوض بين مانيلا والاتحاد الأوروبي عام 2023 للتوصل إلى اتفاق التجارة الحرة بينهما. 3– تصاعد أهمية منطقة الهندوباسيفيك بالنسبة إلى ألمانيا: شهدت العلاقات بين ألمانيا والفلبين تقارباً متزايداً خلال السنوات الماضية؛ حيث استقبل المستشار الألماني السابق "أولاف شولتز"، في مارس 2024، الرئيس الفلبيني "فرديناند ماركوس"، وبحثا تعزيز العلاقات العسكرية بين الدولتين، وطلب ماركوس تدريب القوات المسلحة الفلبينية بألمانيا، والتعاون ضد الهجمات السيبرانية. وأكد "شولتز" أن "منطقة الهندوباسيفيك لها أهمية كبيرة بالنسبة إلى ألمانيا التي تريد تعميق التعاون السياسي والاقتصادي بشكل مكثف مع دولها". ويرتبط اهتمام ألمانيا بالوجود في منطقة الهندوباسيفيك بتصاعد أهمية المنطقة، ومكانتها بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وكذلك تنامي التنافس الدولي على النفوذ بها.4– تزايد دور الدبلوماسية الدفاعية في دعم العلاقات الثنائية: شهدت السنوات الأخيرة تزايد دور الدبلوماسية الدفاعية في دعم العلاقات الثنائية بين الفلبين وألمانيا؛ فبخلاف زيارة وزير الدفاع الألماني الأخيرة إلى الفلبين، أجرى رئيس أركان القوات المسلحة الفلبينية الجنرال "روميو براونر جيه. آر" زيارة إلى برلين في فبراير 2025، وعقد اجتماعات مع قائد القوات المسلحة الألمانية الجنرال "كارستن بروير" على هامش مؤتمر "ميونخ للأمن"، كما بحثا تعزيز التعاون بين الشرطة الفيدرالية الفلبينية والقوات المسلحة الألمانية لتعزيز الشراكات الدفاعية الدولية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.تداعيات جيوسياسيةسيؤدي إبرام "اتفاقية تعاون دفاعي مشترك" بين الفلبين وألمانيا إلى توثيق التعاون الاستراتيجي بينهما، وهو ما ينطوي على بعض التداعيات المحتملة المتمثلة فيما يلي:1– استمرار مساعي الفلبين لتشكيل تحالفات مضادة لبكين: تعمل الفلبين، خلال العقد الماضي، على دعم قدراتها المسلحة، وتوسيع اتفاقيات الدفاع الموقعة بينها وبين مختلف الدول الأوروبية، لتشكيل "تحالف" يدافع عنها أمام التهديدات الصينية في بحر الصين الجنوبي. وشهدت السنوات الماضية توترات وصدامات بين السفن الصينية ونظيرتها الفلبينية في البحر، كما تتخوف مانيلا من توسع النفوذ السياسي والوجود العسكري للصين في الهندوباسيفيك؛ ما يهدد أمنها القومي، وهو ما دفع مانيلا نحو رفع موازنتها الدفاعية وإبرام اتفاقيات "دفاع مشترك" مع عدة دول منها (الولايات المتحدة الأمريكية، ونيوزيلندا، وأستراليا، وكندا، واليابان). والاتفاق الدفاعي مع ألمانيا سيسمح لمانيلا بتطوير قواتها المسلحة، والحصول على الغواصات الألمانية، وستصبح ألمانيا ضمن الدول المرشحة لنشر قوات حفظ سلام ببحر الصين الجنوبي إذا تم الاتفاق على تسوية النزاع به. وسيؤدي الاتفاق إلى تغير هيكل الأمن الإقليمي؛ حيث سيجري إدراج ألمانيا فيه.2– دعم الاستراتيجية الألمانية بالهندوباسيفيك: أعلنت ألمانيا عام 2020 عن ارتباط الأمن الأوروبي بالأمن في منطقة "الهندوباسيفيك"، وأوضحت استراتيجيتها بالمنطقة، التي تهدف إلى ترسيخ نظام دولي قائم على مقررات الأمم المتحدة؛ لضمان الاستقرار والسلام والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية، وأهمية الحفاظ على الممرات البحرية الحرة والمفتوحة في المنطقة، ودعم التكامل الاقتصادي بين دولها، وهو ما يحقق لبرلين التوازن بين مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة، كما أكدت الاستراتيجية دعم دول المنطقة بمجالات (تغير المناخ والتحول في مجال الطاقة، وتعزيز التعددية لمواجهة التحديات المشتركة ودعم الأمن الإقليمي). ومنذ ذلك الحين، تُكثِّف برلين من وجودها العسكري في المنطقة، وكان من ضمن ذلك التعاون العسكري مع الفلبين، الذي سيضمن لها وجوداً عسكرياً مستمراً ببحر الصين الجنوبي والهندوباسيفيك.3– تكثيف الوجود العسكري الألماني بالمنطقة: كثفت ألمانيا من وجودها العسكري في منطقة الهندوباسيفيك، وأجرت بحريتها العديد من عمليات حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وأعلنت في أغسطس 2024 الانضمام إلى قوة الأمم المتحدة التي تشرف على "وقف إطلاق النار" بين الكوريتين، وهي القوة التي تقودها واشنطن؛ ما سمح لها بالوجود العسكري بجنوب شرق آسيا. من جهة أخرى، أعلن حلف شمال الأطلسي "الناتو" عن افتتاح مكتب له في اليابان؛ ما يؤكد حرصه على تكثيف وجوده العسكري بالمنطقة، وهو ما سيوفر فرصاً متعددة لألمانيا للمشاركة في عملياته هناك.4– تزايد تحفظ الصين على التحركات الألمانية: تحفَّظت الصين على تكثيف التحركات الألمانية العسكرية بمنطقة بحر الصين الجنوبي، وانتقدت في أغسطس 2024 الإعلان عن توقيع اتفاق دفاعي بين برلين ومانيلا، وأكدت أن "نهج الأخيرة انتهازي، يهدف إلى استفزاز الصين واسترضاء واشنطن"، كما قلَّلت من قدرة ألمانيا على تقديم مساعدة عسكرية مؤثرة للفلبين، كما أعربت بكين غير مرة عن قلقها إزاء تنامي العلاقات بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) والفلبين؛ حيث تعتبره تحالفاً عسكرياً موجهاً لها. وتتهم بكين واشنطن بأنها تعمل على إنشاء "ناتو آسيوي" ضدها؛ ولذا فإن مشاركة ألمانيا عسكرياً في المنطقة سيؤدي إلى "توتر" العلاقات بين برلين وبكين. ولا يمكن إغفال أنه بعد التوقيع على الاتفاق الأخير بين الفلبين وألمانيا، سيتزايد الاستياء الصيني من تحركات برلين.5– توفير مساعي الفلبين إلى تحديث جيشها فرصاً لألمانيا: تسعى الفلبين إلى تحديث جيشها لتعزيز الدفاع الخارجي، وتتطلع إلى إشراك ألمانيا مورداً عسكرياً لها؛ حيث خصصت مانيلا، في مايو 2024، (35 مليار دولار) لتحديث جيشها على مدى العقد المقبل. وثمة نقاشات ثنائية بين ألمانيا والفلبين بشأن تزويد الفلبين بمعدات عسكرية ألمانية.خلاصة القول أن الاتفاق الدفاعي بين ألمانيا والفلبين سيعزز قدرة الأخيرة على تطوير قواتها العسكرية، وسيوثق التعاون الاستراتيجي بين الدولتين، كما سيؤدي إلى تزايد انخراط برلين في التشابكات الإقليمية بالهندوباسيفيك؛ حيث تعمل برلين على تأكيد التزامها بدعم حلفاء "الناتو" وتعزيز توسعه وحضوره العسكري "بالهندوباسيفيك"؛ ما يفاقم التوتر بين بكين ودول بحر الصين الجنوبي، الذي يعد محل النزاع بين تلك الأطراف.

دلالات الاتفاق الدفاعي بين ألمانيا والفلبين