نريمان عبد الفضيل

تعتزم وزارة الدفاع الأمريكية – في إطار سعي إدارة "ترامب" إلى الاستحواذ على جزيرة جرينلاند؛ نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية للأمن القومي الأمريكي – نقل الإشراف العسكري للجزيرة من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية الأمريكية المسؤولة بشكل رئيسي عن حماية الأراضي الأمريكية. ويريد البنتاجون من خلال هذه الخطوة تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في القطب الشمالي؛ من أجل مواجهة النفوذين الروسي والصيني المتناميين في هذه المنطقة الاستراتيجية.دوافع متعددةثمة العديد من الدوافع التي جعلت الإدارة الأمريكية تُخطط لنقل الإشراف العسكري لجزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية ووضعها تحت القيادة الشمالية الأمريكية، وهي الدوافع التي يمكن توضيحها فيما يلي:1– تعزيز قدرات الدفاع الصاروخي الأمريكي: تتمتع جزيرة جرينلاند بموقع استراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ وذلك نتيجة وقوعها بالقرب من القطب الشمالي، كما توجد بها قاعدة "بيتوفيك" الفضائية الأمريكية، التي تُستخدَم في مراقبة الفضاء والإنذار المبكر من الصواريخ. وسيساهم هذا التغيير العسكري الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقه في تعزيز قدرات الدفاع الصاروخي الأمريكي، من خلال توسيع نطاق تغطية الرادارات في منطقة القطب الشمالي، وهو ما تؤكده أيضاً الزيارة التي أجراها كلٌّ من نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، ومستشار الأمن القومي السابق "مايك والتز" إلى القاعدة في مارس 2025م.2– مواجهة النفوذين الصيني والروسي في القطب الشمالي: قد يكون الهدف من وراء اعتزام البنتاجون نقل الإشراف العسكري لجزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية الأمريكية، هو تعزيز الوجود العسكري للولايات المتحدة في منطقة القطب الشمالي بالشكل المناسب الذي يجعلها تكبح النفوذين المتزايدين للصين وروسيا، بعدما قامت الأخيرة بتعزيز وجودها العسكري في المنطقة من خلال بناء الكثير من القواعد العسكرية والموانئ الجديدة، بجانب تعزيز الصين قدراتها العسكرية في المنطقة أيضاً، فضلاً عن ترويجها لنفسها أنها الدولة القريبة من القطب الشمالي؛ لذلك تحركت الولايات المتحدة للتصدي لهذه التحركات.3– امتلاك جرينلاند كميات من المعادن الأرضية النادرة: قد يكون الهدف غير المباشر الذي نقلت من أجله الإدارة الأمريكية الإشراف العسكري للجزيرة، هو تعزيز وجودها ونفوذها في الجزيرة بالشكل الذي يجعلها تستطيع الاستحواذ على المعادن الأرضية النادرة التي تمتلكها الجزيرة؛ وذلك في إطار سعي الولايات المتحدة إلى تعويض المعادن النادرة التي كانت تستوردها من الصين، والتي حظرت بكين تصديرها إليها في أبريل 2025م كرد فعل على الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية والتي بلغت نحو 145%؛ فهذه المعادن مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ نظراً إلى اعتماد كثير من القطاعات الأمريكية عليها، مثل صناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات والأدوية والصواريخ والطائرات المتقدمة.4– رغبة الولايات المتحدة في حماية الأمن القومي الأمريكي: يرى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وإدارته أن جزيرة جرينلاند بمنزلة مفتاح للأمن القومي الأمريكي؛ لذلك نقلت وزارة الدفاع الأمريكية الإشراف العسكري من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية الأمريكية المسؤولة عن حماية الأراضي الأمريكية والدفاع عنها. وقد تستهدف واشنطن من ذلك أن تصبح جرينلاند جزءاً من نطاق الدفاع الداخلي الأمريكي، على غرار كندا والمكسيك. وهذا يعكس هدف الولايات المتحدة المتمثل في السيطرة على المنطقة من أجل التصدي للتهديدات القادمة إليها من الشمال ومواجهتها، باعتبار أن تلك الجزيرة لم تعد خارجة عن سيطرة واشنطن، بل تُعد، من منظور إدارة "ترامب"، جزءاً من المجال الجغرافي الأمريكي المباشر.5– تعزيز النفوذ الأمريكي في جزيرة جرينلاند: يتيح التغيير العسكري الذي ترغب الإدارة الأمريكية في تحقيقه بشأن الجزيرة، تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الجزيرة، فيُعزز نفوذ الولايات المتحدة وحضورها في جرينلاند، التي على الرغم من تبعيتها للدنمارك فإنها تتمتع بالحكم الذاتي المستقل، وتمتلك حكومة محلية، ووجود قواعد عسكرية فيها قد يخلق روابط وثيقة بين واشنطن وجرينلاند على حساب الحكومة الدنماركية، وهو ما قد يساعد الرئيس الأمريكي في تحقيق ما يطمح إليه، وضم الجزيرة إلى الولايات المتحدة.تداعيات محتملةهناك أربعة تداعيات متوقعة الحدوث عقب نقل الإشراف العسكري لجزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية الأمريكية، وهي التداعيات التي يمكن توضيحها فيما يلي:1– توتُّر العلاقات بين واشنطن وكوبنهاجن: من المتوقع أن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والدنمارك توتراً ملحوظاً في الفترة المقبلة نتيجة هذا التغير العسكري؛ وذلك لأن الدنمارك قد تعتبر هذا التغيُّر خطوة نحو فك الارتباط بين الجزيرة والدنمارك؛ فهذه الخطوة أثارت قلق كوبنهاجن؛ لأن الدنماركيين يخشون من أن يكون هذا التغيير العسكري ذريعة لتعزيز المطالب الأمريكية بضم جزيرة جرينلاند، فضلاً عن خوفهم من أن هذه الخطوة قد ترسل رسالة إلى المجتمع الدولي مفاداها أن واشنطن لا تعترف بالسيادة الدنماركية على الجزيرة.2– حدوث انقسام داخلي في الجزيرة: من المحتمل أن يؤدي التغيُّر العسكري في الجزيرة إلى تعميق الانقسام الداخلي فيها بين مؤيد ومعارض لهذا التغيير؛ فقد يرى الفريق المؤيد للتغيُّر العسكري أنه يمثل فرصة لاستقلال الجزيرة التدريجي عن الدنمارك من أجل تحقيق النمو الاقتصادي والعيش في مستوى اقتصادي لائق وفق ما تعهد لهم به الرئيس الأمريكي، بينما يرى الفريق المعارض للفكرة أن هذا التغيُّر العسكري من شأنه أن يُحوِّل الجزيرة إلى ساحة نزاعات بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وهو ما يعود بالضرر على سكان الجزيرة.3– تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة وجرينلاند: من المرجح أن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وجزيرة جرينلاند تقدماً ملحوظاً نحو الشراكات الاستراتيجية والعسكرية؛ وذلك من خلال زيادة الاستثمارات الأمريكية في البنية التحتية العسكرية للجزيرة، بجانب الدخول في اتفاقيات أمنية مع الجزيرة من شأنها تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الجزيرة، بالإضافة إلى تحويل الجزيرة إلى مركز متقدم للرصد والمراقبة والدفاع الصاروخي الأمريكي، فضلاً عن اتفاق واشنطن والجزيرة على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين الطرفين؛ وذلك بهدف زيادة الردع ضد النفوذين الروسي والصيني في منطقة القطب الشمالي، وتوسيع الحضور الأمريكي في المنطقة.4– تحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية في الجزيرة: قد تلجأ الولايات المتحدة إلى زيادة الاستثمارات الموجهة إلى عدد من القطاعات الحيوية في الجزيرة، مثل قطاع التعدين والطاقة والبنية التحتية، في ظل رغبة واشنطن في تحقيق تنوع اقتصادي في الجزيرة، بجانب قيامها بزيادة تمويل المشروعات التنموية التي من شأنها تعزيز الحكم الذاتي للجزيرة من دون الاعتماد على الدنمارك؛ وذلك بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية مع الجزيرة، وتشجيع الأصوات المحلية في الجزيرة التي تطالب بالاستقلال الفعلي عن الدنمارك مع مزيد من الدعم الأمريكي.تنافُس استراتيجيوختاماً، يمكن القول إن الهدف الأساسي من إقدام الإدارة الأمريكية على نقل الإشراف العسكري لجزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية الأمريكية، يرتبط بتعزيز النفوذ العسكري الأمريكي في منطقة القطب الشمالي الغنية بالموارد الطبيعية والممرات البحرية؛ وذلك من أجل كبح النفوذ المتزايد للقوى الكبرى، خاصة الصين وروسيا اللتين تحاولان السيطرة على هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي؛ نظراً إلى أهمية هذه المنطقة استراتيجياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

دلالات نقل الإشراف العسكري لجزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية إلى القيادة الشمالية