نريمان عبد الفضيل

في إطار سعي رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، إلى إعادة صياغة وتنشيط العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، قام بزيارة عمل رسمية إلى الولايات المتحدة تستغرق أربعة أيام من 21 مايو إلى 24 مايو الجاري، وهذه الزيارة هي أول لقاء مباشر بين الزعيمين دونالد ترامب ورامافوزا منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب لولايته الرئاسية الثانية منذ تجدد التوتر بين البلدين على خلفية مواقف بريتوريا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وطرد واشنطن سفير جنوب أفريقيا من أراضيها. وتعكس هذه الزيارة حرص جنوب أفريقيا على إعادة إحياء علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، إلى جانب تطلعها لإقامة المزيد من التعاون بين البلدين في مختلف المجالات بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والتنمية، في حين أنه من المتوقع أن يتم بحث عدد من الملفات الإقليمية والدولية الشائكة ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين، بما في ذلك الهجرة، والرسوم الجمركية، والحرب في غزة، والحرب الروسية الأوكرانية.. وغيرها.مؤشرات دالةهناك العديد من المؤشرات التي تبرهن على وجود توترات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة خاصة منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض، وهذه المؤشرات يمكن توضيحها فيما يلي:1- وقف ترامب جميع المساعدات لجنوب أفريقيا: أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً في فبراير الماضي بموجبه تم وقف جميع المساعدات المالية الأمريكية لجنوب أفريقيا، وذلك بسبب غضب الولايات المتحدة من ملاحقة بريتوريا لإسرائيل من خلال قيامها برفع دعوى قضائية ضدها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابها إبادة جماعية في غزة، إلى جانب أنها أدانت الجرائم الإسرائيلية والمجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية تجاه المدنيين في غزة، وهذا كله رفضه الرئيس الأمريكي لذلك قام بقطع المساعدات المالية المخصصة لها من أجل الضغط عليها حتى توقف دعمها للشعب الفلسطيني، وفي المقابل غضبت حكومة رامافوزا من هذا الأمر التنفيذي، واعتبرته بأنه عدم اعتراف بتاريخها العميق والمؤلم في الاستعمار.2- طرد واشنطن سفير جنوب أفريقيا من أراضيها: من بين المؤشرات التي أدت إلى تأجيج الموقف بين البلدين ما قام به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مارس الماضي، من خلال إصداره قراراً من شأنه طرد سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول من واشنطن، وذلك على خلفية اتهامه بأنه شخص مثير للفتن العرقية ويكره الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، وذلك من خلال رصده مقالات نشرها رسول على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها الرئيس الأمريكي لأنه يقود حركة لتفوق العرق الأبيض، لهذا الأمر أصدر روبيو قراره بطرد رسول من بلاده، فضلاً عن نشره تصريحاً على منصة إكس قال فيه: "إن رسول لم يعد مرحباً به في الولايات المتحدة، وأنه لا يوجد ما نناقشه معه"، وفي المقابل قامت حكومة رامافوزا بمنع تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة.3- اتهام ترامب لبريتوريا بالتمييز العنصري مع مواطنيها: قد يكون من بين المؤشرات الحاسمة التي أدت إلى تفاقم التوترات بين البلدين، والتي اعتبرتها حكومة جنوب أفريقيا أنها تدخل في شؤونها الداخلية، الاتهام الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحكومة جنوب أفريقيا بأنها تنتهج سياسات تمييز عنصري ضد المواطنين ذوي البشرة البيضاء من خلال قيامها بالاستيلاء على أراضي المزارعين البيض دون أن تقوم بتعويضهم، في حين وصف ترامب البيض بأنهم "ضحايا لقوانين الملكية العنصرية"، وفي المقابل رفضت حكومة رامافوزا هذه الاتهامات ورأت أنها ادعاءات خاطئة وليس لها دليل.ملفات شائكةثمة العديد من الملفات الشائكة وذات الاهتمام المشترك بين البلدين، والتي من المتوقع أن تكون على طاولة المناقشات خلال لقاء رئيس جنوب أفريقيا بالرئيس الأمريكي اليوم، والتي قد يكون من بينها ملفات داخلية وإقليمية ودولية، وهذه الملفات يمكن توضيحها فيما يلي:1- تعزيز الشراكة التجارية بين البلدين: يهدف رئيس جنوب أفريقيا من خلال زيارته إلى إرساء قواعد الشراكة التجارية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، وذلك لأن واشنطن تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري لبلاده بعد الصين، لذلك سيسعى رامافوزا خلال زيارته إلى إبرام صفقات تجارية بينه وبين ترامب من أجل تخفيف حدة الخلافات بين البلدين خاصة في الفترة الأخيرة، حيث إنه يستهدف من الزيارة توقيع شراكة تجارية بين البلدين على أسس جديدة تخدم المصالح المشتركة بينهما وتعود بالنفع على شعبيهما، والدليل على ذلك ما قاله رامافوزا في تصريح للصحفيين الجنوب أفريقيين خلال وجوده في الولايات المتحدة "العلاقات التجارية هي الأهم، وهذا هو السبب الحقيقي الذي جلبنا إلى هنا. نريد الخروج من هذه الزيارة باتفاق تجاري ممتاز".2- مناقشة الرسوم الجمركية المفروضة على جنوب أفريقيا: من بين الملفات التي من المؤكد أن يناقشها الزعيمان خلال اجتماعهما وضع رسوم جمركية مناسبة على جنوب أفريقيا، وذلك نظراً للرسوم الباهظة التي فرضها الرئيس الأمريكي على جنوب أفريقيا في الثاني من إبريل الماضي والتي كانت بنسبة 30% على الواردات من جنوب أفريقيا، ثم تم وضع تعريفة إضافية بنسبة 25% على مركبات جنوب أفريقيا التي تدخل الولايات المتحدة، في حين أن ترامب قام في 9 إبريل الماضي بتعليق هذه الرسوم لمدة 90 يوماً لإعطاء حكومات الدول المفروضة عليهم الرسوم فرصة لتناقش معه وتقديم التنازلات.ومن المتوقع أن تتم تسوية هذه الرسوم بين الزعيمين خلال الاجتماع من خلال تحديد الرسوم الجمركية مناسبة على واردات شركة تسلا التي يمتلكها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك وحليف ترامب إلى جنوب أفريقيا، مقابل بناء محطات شحن للسيارات الكهربائية في جنوب أفريقيا.3- الاحتفاظ بالعمل باتفاقية التجارة الحرة: من المرجَّّح أن يتطرق رئيس جنوب أفريقيا خلال حديثه مع الرئيس الأمريكي إلى مناقشة اتفاقية التجارة الحرة المعروفة باسم "قانون النمو والفرص في أفريقيا"، خاصة فيما يتعلق بصادراتها من السيارات والحمضيات، وذلك لأنه يرى أن هذه الاتفاقية تمكنهم من الوصول التفضيلي إلى السوق الأمريكية للعديد من الدول الأفريقية والتي من المقرر أن يتم تجديدها هذا العام، لذلك من المؤكد أن يتم الحديث عن هذه الاتفاقية خاصة لأن إدارة ترامب صرحت في الفترة الماضية بأنها ستنهي هذه الاتفاقية، وأن جنوب أفريقيا تعلم جيداً أن هذه الاتفاقية تساهم بشكل كبير في اقتصادها.4- العمل على تنمية التعاون الاقتصادي بين البلدين: فقد يهدف رامافوزا خلال زيارته إلى واشنطن إلى تعزيز سبل التعاون الاقتصادي بين بلاده والولايات المتحدة، وذلك لأنه يعلم أولويات الرئيس الأمريكي واهتمامه بالاقتصاد، وذلك نظراً لما خسرته بلاده من وراء الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على بلاده في الثاني من إبريل الماضي، والتي أدت إلى إلحاق الكثير من الضرر على المزارعين والعاملين في المزارع، فضلاً عن أنها تسببت في تسريح أعداد كبيرة من العمال وأدت إلى رفع معدل البطالة إلى 32%، لذلك فمن المتوقع أن يركز رامافوزا على توسيع وخلق فرص العمل مع ترامب من خلال الشراكات الاقتصادية لكي تتماشى مع أولوياته المتمثلة في النمو الاقتصادي، فضلاً عن أنه قد يبحث فرص التعاون الاقتصادي مع الشركات المملوكة لرجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك المولود في جنوب أفريقيا.5- تجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين: من المحتمل أن يكون الهدف الأساسي من الزيارة التي يجريها رئيس جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة هو إعادة صياغة وتوازن العلاقات الاستراتيجية والدبلوماسية بين بلاده والولايات المتحدة، وذلك عقب الأزمات المتكررة التي شهدتها الدولتين في الفترة الأخيرة، لذلك فتعتبر هذه الزيارة فرصة كبيرة من أجل تذويب الخلافات بين الدولتين وإقامة المزيد من العلاقات الدبلوماسية بينهم بعد سنوات من الفتور والجمود الذي كان سائد على علاقاتهم سوياً.6- مناقشة الملف المتعلق بهجرة المواطنين البيض: فقد حدث صدام وخلاف بين الزعيمان خلال حديثهما، عندما قام الرئيس ترامب بتوجيه سؤال للرئيس رامافوزا حول ما إذا كانت حكومة جنوب أفريقيا تمارس الإبادة الجماعية ضد المواطنين من ذوي البشرة البيضاء، وازداد الأمر سوءاً عندما قام الرئيس الأمريكي بعرض الكثير من الأفلام الوثائقية والقصص حول الوضع المتردي في جنوب أفريقيا بشأن العنف ضد البيض في جنوب أفريقيا، إلا أن رامافوزا أكد بأنه لم يشاهد هذه الفيديوهات التي عرضها فريق ترامب، وذلك لأن الرئيس الأمريكي حاول أن يبرر لرامافوزا استقبال الولايات المتحدة الدفعة الأولى المكونة من 49 مواطناً أبيض من جنوب أفريقيا، الذين اعتبرتهم أنهم يعانون من التمييز العنصري، لذلك منحهم الرئيس الأمريكي وضع اللجوء، وهذا الخلاف من شأنه أن يعطل الخطط التي يهدف الزعيمان تحقيقها.7- موقف بريتوريا من الحرب الإسرائيلية في غزة: من بين الملفات التي قد تطرح خلال الزيارة موقف بريتوريا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي تسبب في توتر العلاقات بين البلدين وغضب الرئيس الأمريكي من جنوب أفريقيا، وذلك نظراً لتنديد جنوب أفريقيا المستمر والثابت منذ اندلاع الحرب بين غزة وإسرائيل في 7 أكتوبر 2023 بما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة وهاجمته، والدليل على ذلك ما قامت به من حراك دولي من خلال قيامها في 29 ديسمبر 2023 بتقديم دعوى قضائية لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. ومع تغير رؤية الرئيس الأمريكي ورغبته في إنهاء الحرب في غزة ووقف إطلاق النار فيها فإنه من المتوقع أن يتعاون الزعيمان مع الدول الأخرى المؤيدة لذلك لتحقيق ذلك الأمر من خلال الضغط على إسرائيل.8- النقاش حول ملف الحرب الروسية الأوكرانية: من بين الملفات الرئيسية التي قد يتناولها الرئيسيان خلال مناقشتهما ملف الحرب الروسية الأوكرانية، لذلك من المتوقع أن يناقشا جهود السلام والوساطة لإنهاء هذه الحرب، وذلك لأن إدارة ترامب قامت بدور بارز في التوسط بين روسيا وأوكرانيا من أجل إنهاء الحرب بينهما، وذلك من خلال ما تعهد به ترامب خلال حملته الانتخابية، بأنه سينهي الحرب في غضون 24 ساعة إذا فاز في الانتخابات، في حين أن جنوب أفريقيا ظلت تتخذ موقف الحياد في هذه الحرب، كما أنها دعت للحوار الدبلوماسي بين الطرفين، لذلك فإن الطرفان لديهم نفس وجهة النظر في ضرورة اللجوء إلى الحل الدبلوماسي لإنهاء الأزمة.تجاوز الخلافاتوختاماً، يمكن القول إن الهدف الرئيسي لزيارة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إلى الولايات المتحدة هو تخفيف حدة الخلافات والتوترات بين البلدين وإعادة صياغتها على أسس جديدة مشتركة بينهم، وذلك من أجل الاحتفاظ بالامتيازات التي تكفلها اتفاقية التجارة الحرة وقانون النمو والفرص في أفريقيا، فضلاً عن أنه يسعى من خلال الزيارة إلى تقديم بعض التنازلات للرئيس الأمريكي المتمثلة في إعطائه بعض الموارد المعدنية التي تحتاجها الولايات المتحدة مقابل تخفيف الرسوم الجمركية التي فرضها على بلاده أو الحصول على إعفاء بلاده من الرسوم الجمركية نظراً لما سببته من أضرار كبيرة في القطاع الاقتصادي.

ما هي أبرز ملفات زيارة رئيس جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة؟