د. أحمد عسكر

توسع السنغال وموريتانيا من أطر التعاون بينهما في مواجهة الهجرة غير الشرعية؛ حيث أبرمت الحكومتان السنغالية والموريتانية في يونيو 2025 اتفاقية في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد تلقائيّاً بموافقة الطرفين. وهي الاتفاقية التي تحدد طرق التعاون بين البلدين لوقف مغادرة المهاجرين غير الشرعيين من أراضيهما، لا سيما عن طريق البحر. وتهدف هذه الاتفاقية إلى إنشاء إطار رسمي ودائم للتعاون من أجل تصور وتطوير سياسات منسقة لمنع ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وكذلك تعزيز التعاون من أجل التصدي للأسباب العميقة للهجرة غير الشرعية، وتفكيك شبكات تهريب المهاجرين، بالإضافة إلى تشجيع الهجرة النظامية الآمنة والمنظمة، وتعزيز الإطار القانوني لتبادل المعلومات وتسهيل التنسيق بين السلطات المختصة في البلدين.ملامح التعاونتكشف سلسلة التفاعلات التي جرت بين موريتانيا والسنغال، على مدار السنوات الأخيرة، عن حجم التعاون في ملف الهجرة غير الشرعية. ويمكن الإشارة إلى أبرز ملامح التعاون الثنائي بين البلدين في هذا الصدد على النحو التالي:1– تزايد الأضرار من الهجرة غير الشرعية على البلدين: فقد أضحت موريتانيا، بفضل موقعها الاستراتيجي، مركزاً رئيسيّاً للهجرة، مع تزايد أعدد المهاجرين غير الشرعيين في السنوات الأخيرة، فيما تعد السنغال بمنزلة نقطة انطلاق رئيسية؛ ليس فقط للمهاجرين السنغاليين، بل أيضاً للمهاجرين من دول المنطقة، مثل مالي وجامبيا. ويعكس ذلك حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل. وتنفذ موريتانيا منذ بداية عام 2025 عمليات واسعة النطاق لطرد المهاجرين بشكل غير شرعي من البلاد، وخاصةً في بلدة روسو الحدودية بين السنغال وموريتانيا. وقامت السلطات الموريتانية باعتراض أكثر من 30 ألف مهاجر على الأراضي الموريتانية، وتفكيك 88 شبكة تهريب بين يناير وأبريل 2025، وفقاً لتقديرات غربية. 2– تطور التعاون الثنائي بين موريتانيا والسنغال: تعزز موريتانيا والسنغال علاقاتهما السياسية والاقتصادية، باعتبارها مدخلاً مهماً للتنسيق بشأن بعض القضايا المحورية بينهما، لا سيما الهجرة غير الشرعية؛ فقد ناقش البلدان في بداية يناير 2025 سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والبنية التحتية، وهو ما تُوِّج بإطلاق مشروع الغاز الطبيعي في حقل "السلحفاة – أحميم" باعتباره إنجازاً مهماً في التعاون في مجال الطاقة بين البلدين. واتفق الطرفان على إلغاء ممارسة تفريغ البضائع على جسر روسو، وهي خطوة أساسية في تحسين تسهيل التجارة بين البلدين، كما أن إطلاق المنتدى الاقتصادي الموريتاني السنغالي الثاني، المقرر عقده في أكتوبر 2025 في العاصمة الموريتانية نواكشوط، من شأنه أن يوفر منصة لمزيد من النقاشات حول التنمية الاقتصادية وفرص الاستثمار بين الجانبين.3– كثافة القاءات الدبلوماسية بين الدولتين: شهد النشاط الدبلوماسي بين موريتانيا والسنغال تصاعداً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة لمناقشة التعاون في مجال الهجرة غير الشرعية؛ فقد زارت وزيرة التكامل والشؤون الخارجية السنغالية ياسين فال، موريتانيا في مارس 2025، والتقت الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لمناقشة أزمة الهجرة والقضايا المتعلقة بها التي تهم الجالية السنغالية في موريتانيا، كما ناقشت مع نظيرها الموريتاني سبل تسهيل تسوية أوضاع المواطنين السنغاليين غير النظاميين.يأتي ذلك امتداداً للقاء عُقد في يناير 2025 بين وزيري داخلية البلدين، تباحثا خلاله التعاون الثنائي بشأن تسهيل عملية التنقل وإقامة المواطنين من البلدين، ويشمل ذلك مراجعة الاتفاقيات المبرمة بهذا الخصوص، وهو ما عكس تقدماً ملحوظاً في تعاون البلدين بشأن قضايا الهجرة؛ حيث أكدت الحكومة الموريتانية حينها التزامها بتسجيل إجراءات الإقامة للمواطنين السنغاليين.وقد عكست هذه الجولات توافقاً بين نواكشوط وداكار حول حجم التحديات التي يواجهها البلدان، وخاصة موريتانيا، بسبب ضغوط الهجرة غير المسبوقة، وهو ما أكده القنصل الفخري للسنغال لدى نواذيبو الموريتانية "بوغوربال مولاي عباسي"، الذي أكد أن موريتانيا تستضيف نحو 1.2 مليون مهاجر غير شرعي؛ ما يعمق المخاطر والتهديدات على أمنها واستقرارها وانعكاسات ذلك على الأمن الإقليمي أيضاً، كما أنها أضحت بمنزلة نقطة عبور رئيسية إلى أوروبا، خاصةً عقب تشديد طرق الهجرة عبر دولتي المغرب والسنغال. 4– التعاون المؤسسي لمواجهة الهجرة غير الشرعية: تدرك موريتانيا والسنغال مدى خطورة التهديدات المتزايدة التي تمثل تحدياً للأمن الإقليمي في غرب أفريقيا، ويشمل ذلك الإرهاب والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة؛ لذلك اتفق البلدان على وضع إطار شامل لتعزيز التعاون الأمني، وهو ما من شأنه أن يوجه الجهود المشتركة بينهما لمكافحة هذه التهديدات، ويشمل ذلك تعزيز الرقابة على الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومبادرات مكافحة الإرهاب. وقد دعت السنغال إلى تعزيز التعاون الحكومي بين البلدين لإيجاد حلول مستدامة لأزمة الهجرة، وسلطت الضوء على ارتفاع معدل الجريمة والمخاطر التي يواجهها المهاجرون الذين يسعون للوصول إلى أوروبا.في هذا الإطار، أشارت الاتفاقية المبرمة بين الطرفين مؤخراً إلى إنشاء لجنة مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية بحيث تتشكل من ممثلين عن الوزارات المكلفة بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل من البلدين، على أن تتولى هذه اللجنة تحديد الأولويات وتنسيق الإجراءات ومتابعة التقدم المحرز في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، كما وقَّع البلدان في سبتمبر 2024 على إعلان مشترك بين اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ولجنة الوزارات السنغالية المعنية بالهجرة غير النظامية، والمعهد الوطني لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في موريتانيا، واتفق الطرفان بموجبه على مواصلة التعاون لتجسيد التزامهما بمكافحة شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في غرب أفريقيا.5– تنسيق إقليمي موسع للتعامل مع قضية الهجرة: فقد شهدت التفاعلات بشأن قضية الهجرة في غرب أفريقيا توسيع دائرة التعاون ليتجاوز الإطار الثنائي بين السنغال وموريتانيا إلى عدد من الدول الإقليمية في غرب أفريقيا مثل مالي وجامبيا؛ فقد دعت السنغال في مارس 2025 إلى إقامة تعاون منظم بين دول المنطقة مع تخصيص ميزانية مخصصة لإدارة الهجرة، وناقشت مع دول موريتانيا ومالي وجامبيا ضرورة وجود إطار إقليمي لضمان استجابة إنسانية لتحديات الهجرة غير الشرعية، كما أكدت الاتصالات الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، في مارس 2025 مع نظرائه من السنغال ومالي وجامبيا وكوت ديفوار، أن بلاده تعمل مع دول الجوار الإقليمي ضمن أطر الهجرة الآمنة والمنظمة؛ وذلك في ظل المساعي لتعزيز وتكثيف التنسيق الإقليمي في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية.6– تسيير دوريات بحرية مشتركة: نفذت موريتانيا والسنغال في مايو 2025 دورية مشتركة في منطقة داغانا السنغالية، بهدف مكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وسرقة الماشية، وغيرها من أنواع الجريمة المنظمة التي تؤثر على المناطق الحدودية بين البلدين. وقد صرح الجيش الموريتاني في أغسطس 2024 بأن القوات البحرية الموريتانية والسنغالية قد سيَّرت دوريات مشتركة، في دلالة على التعاون والتنسيق الأمني المشترك بين البلدين في إطار المساعي لتأمين الحدود البحرية بينهما ضد التهديدات المختلفة المتعلقة بالأمن البحري، ومنها موجات الهجرة غير النظامية. 7– الشراكة ضمن المبادرات الدولية لمواجهة موجات الهجرة: يتعاون البلدان في عدد من المبادرات الدولية والإقليمية المعنية بمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية في المنطقة، وعلى رأسها مبادرة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التي تهدف إلى تسهيل الاتصال بين موريتانيا والسنغال بشأن القضايا الحساسة مثل الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين. في سياق متصل، يعزز الاتحاد الأوروبي علاقاته مع دول غرب أفريقيا، ومنها موريتانيا والسنغال، من أجل التنسيق في مجال الهجرة غير الشرعية، والمساهمة في مواجهة التحديات المشتركة في هذا المجال. ويركز الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي على هذه القضية في لقاءاته مع موريتانيا والسنغال، باعتبارها أداة إضافية في سبيل تعزيز العلاقات بين الطرفين. وقد أعلنت حكومة إسبانيا في مارس 2025 عن تخصيص نحو 20.4 مليون يورو لتعزيز التعاون الأمني مع كل من موريتانيا والسنغال والمغرب، بهدف دعم قدرات قوات الأمن في هذه الدول، من خلال توفير التدريب والمعدات اللازمة لتحسين المراقبة الحدودية والتصدي لشبكات تهريب البشر.تداعيات محتملة يحمل التقارب بين موريتانيا والسنغال جملة من التداعيات المحتملة على مستويات مختلفة، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التداعيات على النحو التالي: 1– تحسين العلاقات الثنائية بين السنغال وموريتانيا: خاصة بعد توقعات باندلاع أزمة محتملة بين البلدين نتيجة السياسات الموريتانية تجاه المهاجرين غير النظاميين، ومنهم السنغاليون، خلال الشهور الماضية؛ وذلك بعدما قام رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو بالتهديد في أبريل 2025 باتخاذ إجراءات مقابلة تجاه الجالية الموريتانية المقيمة في السنغال رداً على ما وصفه بالإجراءات المعقدة وغير المتكافئة التي يواجهها السنغاليون في موريتانيا. ويعزز التقارب بين البلدين توقيعهما الاتفاقيتين الأخيرتين في مجال الهجرة، إضافة إلى تصريح وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، الذي أكدت فيه التزام بلادها بالحفاظ على علاقات إيجابية مع موريتانيا.2– توسيع مجالات التعاون بين البلدين: ربما يفتح تطوير التعاون السنغالي الموريتاني في مجال الهجرة غير الشرعية المجال أمام توطيد التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات أخرى، على رأسها التعاون البحري، ويشمل ذلك قطاع الصيد البحري، وقطاع النفط والغاز الطبيعي، خاصةً أنهما يتقاسمان استغلال حقل الغاز البحري "السلحفاة–أحميم" الذي يعد من أبرز مشروعات الطاقة في منطقة غرب أفريقيا.3– تقليل حدة آثار الهجرة غير الشرعية على موريتانيا: فمن شأن تعزيز التعاون الإقليمي أن يخفض عدد المهاجرين غير الشرعيين في موريتانيا، ومن ثم تخفيف الضغوط الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خاصةً أن هناك تقارير غير رسمية ترى أن عدد المهاجرين يشكلون أكثر من 10% من سكان البلاد، وهو ما يثير مخاوف من تأثيرات ديموغرافية واقتصادية هناك، فيما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن العاصمة الموريتانية نواكشوط وحدها تؤوي نحو 500 ألف مهاجر يعيشون في أوضاع قانونية غير واضحة؛ ما يضع عبئاً إضافيّاً على بنية تحتية هشة في مجالات الصحة والتعليم والإسكان. 4– تعطيل شبكات تهريب المهاجرين في المنطقة: هناك مساعٍ إقليمية، لا سيما من موريتانيا والسنغال، إلى تعزيز الرقابة الحدودية بهدف مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، والتعاون من أجل تفكيك تلك الشبكات العابرة للحدود؛ وذلك من خلال بعض الإجراءات المقترحة التي ربما يتم تفعيلها من قِبَل البلدين، مثل إنشاء لجنة مشتركة دائمة لتنسيق الجهود الثنائية بينهما في هذا الصدد.5– زيادة تنسيق الدولتين مع الغرب وأوروبا: من المحتمل أن يمنح التعاون بين موريتانيا والسنغال الفرصة للبلدين لتعزيز علاقاتهما مع الغرب والاتحاد الأوروبي من أجل تمكينهما من السيطرة على موجات الهجرة غير الشرعية، وتعزيز وضعيهما الاقتصادي والأمني في المنطقة، كما تسمح الاتفاقيتان المبرمتان مؤخراً للسلطات الموريتانية بالادعاء بأنها تأخذ مخاوف حقوق الإنسان على محمل الجد للحيلولة دون أي انتقادات غربية مستقبلاً في هذا الصدد.إجمالاً، يمثل الاتفاق الأخير بين موريتانيا والسنغال فرصة لدول غرب أفريقيا من أجل التعاون والتنسيق الإقليمي لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، وغيرها من التحديات التي تواجه دول المنطقة. ويمكن البناء على هذا التعاون في الدفع نحو تحسين سياسات الهجرة على المستوى الإقليمي خلال الفترة المقبلة؛ وذلك بالتعاون مع المنظمات والقوى الغربية والأوروبية، لا سيما الاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يعزز التنسيق في مجالات أخرى ذات صلة، مثل الأمن البحري الإقليمي، والتهديدات الأمنية والإرهابية في غرب أفريقيا.

ملامح التعاون بين موريتانيا والسنغال في ملف الهجرة