د. منى سليمان

اختتمت رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" جولتها الأولى في آسيا الوسطى، حيث زارت أوزبكستان وكازاخستان خلال الفترة (28-30) مايو 2025، وأكدت على أهمية التعاون الاستراتيجي مع آسيا الوسطى، كما حضرت القمة الأولى بين (إيطاليا - آسيا الوسطى) بمشاركة رؤساء دول المنطقة، وأكدت أن روما ستعمل كجسر بين المنطقة والاتحاد الأوروبي، وصدر عن القمة بيان ختامي أكد أهمية التعاون الثنائي والتعاون في إطار الاتحاد الأوروبي والمنصات المتعددة الأطراف الأخرى، وتم الاتفاق على عقد القمة بصفة دورية كل عامين، وخلال زيارتها شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية بين روما وكل من أستانة وطشقند تجاوزت قيمتها 7 مليارات يورو، الأمر الذي يؤكد مساعي إيطاليا لتعزيز دورها في آسيا الوسطى بما يحقق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. نتائج جيوسياسيةسعت إيطاليا على مدار السنوات الماضية إلى تطوير علاقاتها مع دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان). فعلى سبيل المثال، كانت إيطاليا، في عام 2019، أول دولة في الاتحاد الأوروبي تُبادر بآلية "1+5" للتشاور مع دول آسيا الوسطى. وفي هذا الصدد، تكتسب جولة "ميلوني" أهمية كبيرة في مسار تطور الدبلوماسية الإيطالية تجاه المنطقة، وقد أسفرت الجولة عن عدد من النتائج الهامة المتمثلة فيما يلي: 1- عقد أول قمة رئاسية بين إيطاليا وآسيا الوسطى: عقدت بعاصمة كازاخستان أستانة يوم 30 مايو 2025، القمة الأولى بين (إيطاليا وآسيا الوسطى)، بحضور "ميلوني" ورؤساء دول آسيا الوسطى الخمس، وقد افتتح رئيس كازاخستان "قاسم توكاييف" القمة بالإشادة بالشخصية السياسية "لميلوني"، ووصفها بأنها "الأكثر أهمية في العصر الحالي"، وأكد أن القمة تعبر عن الأهمية الجيوسياسية المتنامية لآسيا الوسطى. بدورها أكدت "ميلوني" أن "آسيا الوسطى تشكل ملتقى تاريخياً للقارات بين الشرق والغرب، وتلعب دوراً استراتيجياً في المشهد العالمي"، وأكدت أن "روما ستعمل كجسر بين أوروبا وآسيا الوسطى"، وأكد القادة التزامهم بالسلام والأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتنمية المستدامة. وفي ختام القمة تم الاتفاق على عقدها مرة كل عامين، على أن تُعقد عام 2027 في قيرغيزستان، وأن يعقد المؤتمر الرابع لوزراء الخارجية بإيطاليا عام 2026.2- التأكيد على تنويع مسارات التعاون المستقبلي: أكدت القمة على ضرورة تنمية التعاون التجاري بينهم في مجالات عدة منها (تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، استخراج مجالات الموارد الطبيعية، الطاقة المتجددة، والاتصالات) وفق مشروعات الاتحاد الأوروبي مع دول آسيا الوسطى، وكذلك أكدوا على ضرورة تعاونهم في القضايا البيئية لمواجهة التغيرات المناخية بآسيا الوسطى مثل (أزمة بحر الآرال، وذوبان الأنهار الجليدية، واستدامة المناطق الجبلية، وإدارة المياه الفعالة). وطرحت روما نقل التجربة الإيطالية لآسيا الوسطى بمجال الابتكار التكنولوجي، وتم الإعلان عن إطلاق أنشطة مشتركة بتنسيق "آسيا الوسطى + إيطاليا"، بمجالات الطاقة والمياه والزراعة المستدامة، وتم اقتراح تنظيم "مائدة مستديرة حول التعاون بمجال المياه" عام 2026، وأخرى حول "الطاقة المستدامة" عام 2027.3- إرساء شراكة استراتيجية بين إيطاليا وكازاخستان: ثمنت "ميلوني" التعاون مع رئيس كازاخستان "توكاييف" ودوره بآسيا الوسطى، وأكدت أن روما تدرك أهمية التعاون الاستراتيجي مع آسيا الوسطى، وأبدت عزمها تعزيز التعاون في مجالات (المواد الخام الحيوية، الطاقة والغاز والبنية التحتية)، واقترح "توكاييف" إنشاء غرفة تجارة إيطالية في عاصمة بلاده ألماتا، وتكثيف التعاون بين رواد الأعمال من دول المنطقة وإيطاليا، لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهم، ووقعت "ميلوني" و"توكاييف" على عددٍ من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة تبلغ نحو 4 مليارات يورو شملت قطاعات الطاقة وإدارة موارد المياه، والصناعات الزراعية، وشهدا التوقيع على مذكرات تفاهم حول (قضايا الهجرة، تطوير البنية التحتية المبتكرة للطاقة)، وتعد إيطاليا أكبر شريك تجاري لكازاخستان بعد روسيا والصين، وسجل التبادل التجاري بينهما عام 2024 أكثر من (20 مليار دولار)، ويمكن لكازاخستان مساعدة الشركات الإيطالية على تقليل المخاطر وتنويع الإمدادات والوصول إلى أسواق آسيا الوسطى والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. 4- تعزيز التعاون في مجال الطاقة: في ضوء امتلاك دول آسيا الوسطى احتياطيات من النفط والغاز، طرحت "ميلوني" إمكانية تعزيز التعاون بين الطرفين بمجالات الطاقة التقليدية والمتجددة كإنتاج الهيدروجين، لتوفير الاحتياجات الإيطالية من موارد الطاقة على المدى الطويل، وقد أكد "توكاييف" أن كازاخستان مستعدة لزيادة إمدادات النفط لإيطاليا والتي تبلغ حالياً 30 مليون طن سنوياً، كما صدر إعلان (إيطالي - كازاخي) مشترك بشأن استخراج المعادن الحرجة والمواد الخام النادرة، كما بحثت "ميلوني" مع رئيس تركمانستان "محمدوف" سبل تعزيز التعاون بمجالات الطاقة. بدوره، أكد "ميرضيائيف" أن أوزبكستان تعمل على "الانتقال للوقود الأخضر" مع إيطاليا والاستثمار بالطاقة المتجددة، كما وقعت إيطاليا وقيرغيزستان على اتفاقية بشأن حماية وتشجيع الاستثمارات. 5- الترويج لأهمية التعاون العلمي والثقافي: اقترح "ميرضيائييف" إنشاء نادي أعمال "آسيا الوسطى - إيطاليا" ودعا للاستفادة من المشاريع التكنولوجية مع الشركات الإيطالية، ودعا لإنشاء تحالف للمنتجات السياحية المشتركة وعقد منتدى للسياحة عام 2026، وأشاد "ميرضيائيف" بافتتاح فروع بطشقند لجامعات إيطالية منها (البوليتكنيك، بيزا) ، واقترح تشكيل اتحاد علمي تعليمي بين "آسيا الوسطى - إيطاليا" للأبحاث وتمويل الدراسات في الهندسة والتصميم وتكنولوجيا المياه. جدير بالذكر أن أوزبكستان أطلقت اسم (روما) على أحد شوارع سمرقند بمناسبة الزيارة. مما يعكس أهمية الروابط التاريخية والثقافية بين الدولتين.6- العمل على تعزيز التعاون الأمني بين روما ودول آسيا الوسطى: أكد الإعلان الختامي لقمة "إيطاليا - آسيا الوسطى" على ضرورة تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الست لمكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية مثل (الحروب السيبرانية، الهجرة غير الشرعية، الاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة والبشر)، وأبدى القادة ضرورة تعزيز تبادل المعلومات والخبرات والتدريب في المجالات الأمنية المختلفة، حيث تخشى روما من تدفق المهاجرين من المنطقة لها من خلال الطرق البرية والبحرية عبر تركيا واليونان، كما تخشى تسلل الإرهابيين إليها من أفغانستان التي تعد (مركزاً) لعدد من التنظيمات الإرهابية بالمنطقة وخاصة داعش خراسان والقاعدة. دلالات متعددةيمكن القول إن زيارة "ميلوني" لآسيا الوسطى تستدعي عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1- طرح إيطاليا كفاعل جديد بآسيا الوسطى: تمثل جولة "ميلوني" بآسيا الوسطى نقطة محورية في العلاقات بين الطرفين، حيث بدأت روما تعيد تقييم سياستها الخارجية وفق المتغيرات الجيوسياسية الراهنة داخل الاتحاد الأوروبي حيث تتصاعد التيارات القومية التي تنتمي إليها "ميلوني" وتعمل على تنويع الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية معها خارج أطر الاتحاد الأوروبي رغم انخراطها بكافة مشروعاته المستقبلية مع آسيا الوسطى، بما يحقق مصالحها الاستراتيجية لتعزيز مكانة إيطاليا كفاعل مؤثر بالشؤون الإقليمية.2- تعزيز الروابط بين إيطاليا ودول آسيا الوسطى: جولة "ميلوني" ستعمل على تعزيز الشراكات الإيطالية مع مختلف دول آسيا الوسطى، لا سيما كازاخستان التي ترى أنها "بوابة" آسيا الوسطى وأكبر اقتصاديات المنطقة، وكذلك أوزبكستان التي تعمل روما على تعزيز حضورها الجيوسياسي بها، كما بدأت إيطاليا بحث التعاون الدفاعي والعسكري مع أستانة من خلال المشاركة ببرامج التدريب والإنتاج العسكري بشكل ثنائي أو بالتوافق مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي تحظى روما بعضويته، وهو ما سيرحب به الحلف نظراً لرغبته في تعزيز تواجده العسكري بالمنطقة التي توصف بأنها (الفناء الخلفي الروسي) في ظل التصعيد العسكري بالحرب الأوكرانية والدعم الأوروبي العسكري المستمر لها رغم انقسام موقف دول الحلف من ذلك، الأمر الذي ربما يؤدي إلى تغيير في التوازنات العسكرية بآسيا الوسطى، ويرسخ الدور الإيطالي السياسي والعسكري بالمنطقة.3- مساعي إيطاليا لتوسيع مساهمتها في الممرات الإقليمية: أعلنت روما دعمها لتطوير طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين (TITR) للربط بين آسيا الوسطى بالدول الأوروبية، وأبدت الشركات الإيطالية رغبتها في المساهمة بمشاريع تطوير البنية التحتية بآسيا الوسطى ومنها خطوط السكك الحديدية والخدمات اللوجستية الجديدة، وثمن "توكاييف" الفرص التي يوفرها طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين المعروف (الممر الأوسط)، نظراً لأنه سيعمل على إنشاء طرق للنقل بين آسيا الوسطى وأوروبا، لا سيما وأن جزءاً كبيراً من حركة الشحن البري بين الصين وأوروبا تمر عبر أراضي آسيا الوسطى، ودعا الشركات الإيطالية للمشاركة بتلك المشاريع.4- تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في آسيا الوسطى: حال نجحت إيطاليا في ترسيخ تواجدها الاقتصادي والعسكري بآسيا الوسطى فإن ذلك سيؤدي إلى تصاعد التنافس الإقليمي والدولي بينها وبين القوى الإقليمية والدولية الفاعلية بالإقليم وأبرزها (تركيا، إسرائيل، الصين، روسيا)، وقد حذر وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" في أبريل 2025 خلال زيارته لأوزبكستان من "أن بلاده تعارض بشكل قاطع محاولات الغرب فرض هيمنته على منطقة آسيا الوسطى"، مما ينذر بأن موسكو ستتخذ إجراءات مضادة بشكل مباشر وغير مباشر لعرقلة التعاون بين آسيا الوسطى والدول الأوروبية ومنها إيطاليا، لا سيما وأن روما تعتبر جولة "ميلوني" فرصة استراتيجية لتشكيل نفوذ الاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى، وموازنة ضغوط روسيا والصين على دول المنطقة، كما أن التواجد الإيطالي سيثير حفيظة تركيا القوى الإقليمية الأهم بالمنطقة، وهو ما سينعكس على التعاون بين أنقرة وروما وعضويتهما بحلف "الناتو". خلاصة القول، إن جولة رئيسة الوزراء الإيطالية "جورجيا ميلوني" لآسيا الوسطى تستهدف توسيع التواجد السياسي والاقتصادي لها، ولا سيما بعد عقد القمة الأولى بينهما، وهو ما سيعزز الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد بين الطرفين، ويساهم في ترسيخ الدور الأوروبي بالمنطقة في مواجهة النفوذ الروسي والصيني المتصاعد بها، وهو ربما يؤدي لحالة من التنافس بين روما وكل من موسكو وبكين.

دلالات زيارة رئيسة وزراء إيطاليا إلى آسيا الوسطى