د. محمود زكريا

تشهد مالي (الواقعة في إطار إقليم غرب أفريقيا) تحولات على صعيد الوجود الأجنبي على أراضيها خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك إعلان مجموعة "فاجنر" الروسية مغادرتها البلاد في 6 يونيو 2025، علماً بأن بداية وجودها تعود إلى أواخر عام 2021، وقد زعمت المجموعة في هذا الصدد أنها أنجزت مهمتها في مالي بنجاح ضد الجماعات المسلحة عبر استعادة عواصم إقليمية من المتمردين، والمساعدة في بناء القدرات العسكرية المحلية. ومن المزمع أن يحل "الفيلق الأفريقي" الذي تأسس في مطلع عام 2024 محل مجموعة "فاجنر" في مالي، وهو ما تبلور من خلال بيان صادر عن "الفيلق الأفريقي" في قناته على تطبيق "تليجرام"، والذي أُعلِن من خلاله أن مغادرة مجموعة "فاجنر" لن تُحدث أي تغييرات ميدانية، مع الإشارة إلى أن روسيا ستواصل دعم "باماكو" على مستويات أكثر جوهرية.

ما تداعيات انسحاب "فاجنر" من مالي؟

إعادة هيكلة:

قام النظام العسكري الانتقالي في مالي، بقيادة "عاصمي جويتا"، بفرض مزيد من القيود على شركات التعدين التابعة للدول الغربية، ولعل آخر مظاهر ذلك قيامُ الحكومة المالية بإغلاق مكاتب شركة التعدين الكندية "باريك جولد" في العاصمة "باماكو" في 15 أبريل 2025، ويرتبط ذلك بمزاعم تهرُّبها من سداد الضرائب، كما هدَّدت الحكومة بوضع منجم "لولو–جونكوتو" التابع للشركة تحت إدارتها المؤقتة وتصرُّفها؛ وذلك وفقاً لما أكدته الشركة؛ علماً بأن الخلاف بين الجانبين كان قد بدأ في العام الماضي؛ حين سعت السلطات الحاكمة في الدولة إلى تطبيق أحكام قانون التعدين لعام 2023 على عقدها مع الشركة؛ وذلك كجزء من حملة واسعة النطاق تُباشِرها ضد شركات تعدين الذهب الغربية. وقد سعت السلطات من وراء ذلك إلى زيادة العائدات الوطنية المتحققة من قطاع التعدين، وخاصةً معدن الذهب؛ نظراً إلى ارتفاع سعره. وتأتي هذه التطورات لتلقي بظلالها على الأبعاد المؤثرة والمآلات المحتملة المرتبطة بالصدام بين الحكومة المالية وشركات التعدين الغربية.

ما مآلات صدام حكومة مالي مع شركات التعدين الغربية؟

تضييق "باماكو":

اعترفت الحكومة الفيدرالية الصومالية رسمياً بولاية "خاتمة" التابعة لمدينة "لاسعانود" كولاية كاملة العضوية تابعة لها في 14 أبريل 2025، لتصبح بذلك الولاية السادسة في الاتحاد الفيدرالي وهو ما أنهى معه حالة الغموض القائمة حول وضعها الدستوري، ويأتي ذلك في أعقاب زيارة رفيعة المستوى قام بها رئيس الوزراء "حمزة عبدي بري" إلى مدينة "لاسعانود"، حيث استقبلته حشود كبيرة في تأييد واضح لمساعي "مقديشو" لدمج الإدارة في الإطار الفيدرالي للدولة، مما سيستتبعه حصول هذه الإدارة على مقعد في إطار "المجلس الاستشاري الوطني" (NCC). وفي هذا السياق، تعهد الجانبان بمواءمة قوات الأمن التابعة للولاية مع الهيكل العسكري الوطني الصومالي وتسريع مبادرات التنمية في إطارها، كما سلّمت إدارة خاتمة 25 سجيناً إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية، كانوا قد أُسروا خلال المواجهات التي شهدها إقليم سول في عام 2023، وذلك كبادرة لإثبات التزام الإدارة بالمصالحة الوطنية. 

ما تداعيات اعتراف الحكومة الصومالية بولاية "خاتمة"؟

استقطاب "لاسعانود":

تشهد غينيا بيساو الواقعة في إطار إقليم غرب أفريقيا تصاعداً في حالة عدم الاستقرار الداخلي في الدولة خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك قيام بعثة الوساطة التابعة لتجمع "إيكواس" بمغادرة البلاد في مطلع مارس 2025، وذلك بعد تهديدات بالطرد من الرئيس "عمر سيسوكو إمبالو"، علماً بأن وفد هذه البعثة قد تم إرساله لمحاولة إيجاد حل للأزمة السياسية القائمة في البلاد بين الرئيس وأحزاب المعارضة السياسية بشأن موعد إجراء الانتخابات، وذلك بعد صدور قرار المحكمة العليا الذي يقضي بأن فترة رئاسة الرئيس "إمبالو" تنتهي رسمياً في سبتمبر 2025، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة السياسية في الدولة؛ حيث تمسكت بتخلي الرئيس عن رئاسة الدولة في 27 فبراير 2025، غير أن الرئيس قد حدد 30 نوفمبر 2025 موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الدولة. 

ما مآلات الأزمة السياسية في غينيا بيساو؟

مأزق انتخابي:

تشهد جنوب السودان الواقعة في إطار إقليم شرق أفريقيا حالة من تصاعد الاضطرابات الداخلية في الدولة خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك وقوع هجوم على طائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة حاولت إجلاء قوات في بلدة "الناصر" الواقعة في "ولاية أعالي النيل" في 7 مارس 2025. ويرتبط ذلك في الأساس بوقوع اشتباكات عنيفة في هذه البلدة بين القوات الحكومية ومجموعة مسلحة تُعرف باسم "الجيش الأبيض" في 4 مارس 2025، وقد تزامن ذلك مع إلقاء قوات أمن موالية للرئيس "سلفاكير ميارديت" القبض على وزيرين وعدد من كبار المسؤولين العسكريين المتحالفين مع نائبه "رياك مشار"، ومهاجمة قاعدة عسكرية؛ وذلك وفقاً لما أكده المتحدث باسم الحكومة "ميخائيل ماكوي".

ما تداعيات تصاعد التوترات في جنوب السودان؟

ذاكرة الحرب:

قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ ضربات جوية ضد تنظيم داعش في الصومال في 1 فبراير 2025، وجرى تنفيذها في ولاية "بونتلاند" ذات الحكم شبه الذاتي، وتحديداً في منطقة جبال "جوليس" الواقعة شمال البلاد، وقد استهدفت أحد كبار مخططي الهجمات في التنظيم وأعضاء آخرين وفقاً لما أكده الجانب الأمريكي. وأسفرت هذه الضربة عن مقتل قادة رئيسيين في التنظيم، وسقوط نحو (46) عنصراً إرهابياً منهم (12) مقاتلاً أجنبياً وفقاً لما أعلنته حكومة ولاية "بونتلاند" يوم 2 فبراير الجاري.

ما دلالات الهجوم الأمريكي على تنظيم داعش في "بونتلاند"؟

استهداف القيادات:

تشهد الكونغو الديمقراطية الواقعة في إطار إقليم وسط أفريقيا العديد من التحولات الجذرية على صعيد المشهد الأمني الداخلي خلال الآونة الأخيرة، ولعل آخر مظاهر ذلك تمكن حركة "23 مارس" المتمردة من دخول مدينة "جوما" التي تعد أكبر مدينة في شرق البلاد في 27 يناير 2025، وقد عكس هذا التطور تحولاً يعد الأسوأ من نوعه منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث أسفر عن مقتل (17) شخصاً وإصابة ما لا يقل عن نحو (367) شخصاً بالأسلحة، كما تسبب في هروب أكثر من (4000) سجين، كما تبادل الجيشان الكونغولي والرواندي إطلاق النار عبر الحدود المشتركة بينهما، حيث حاول المتمردون تعزيز سيطرتهم، فضلاً عن قيام المتظاهرين بمهاجمة السفارات البلجيكية والهولندية والكينية والأوغندية والأمريكية، مطالبين المجتمع الدولي بالضغط على رواندا بشأن تورطها المزعوم في دعم حركة "23 مارس" المتمردة. 

التداعيات المحتملة للتقدم العسكري للقوى المتمردة في شرق الكونغو الديمقراطية

سقوط جوما:

تشهد العلاقات بين نيجيريا والنيجر الواقعتين في إطار إقليم غرب أفريقيا، حالة من التوتر المتصاعد خلال الآونة الأخيرة، ولعل ذلك يرتبط في الأساس بتوجيه رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر "عبد الرحمن تياني"، في 25 ديسمبر 2024، اتهاماً إلى نيجيريا بالتعاون مع فرنسا لزعزعة استقرار بلاده، كما اتهم نيجيريا بتقديم الدعم والملاذ لجماعة جهادية وُجِّهت لها اتهامات تتعلق بتخريب خط أنابيب نفط رئيسي. وقد تزامن ذلك مع قيام النيجر باستدعاء القائم بالأعمال في السفارة النيجيرية. وفي المقابل سعى المسؤولون في نيجيريا إلى نفي هذه الاتهامات وتأكيد عدم صحتها، كما وصف وزير الإعلام النيجيري "محمد إدريس" هذه المزاعم بأنها لا أساس لها من الصحة. وتأتي هذه التطورات لتلقي بظلالها على ملامح التباعد والتنافر في المواقف بين الطرفَين منذ اندلاع الانقلاب العسكري في النيجر منذ 26 يوليو 2023،، التي من شأنها أن تؤثر على مسار وآفاق تطور العلاقات المستقبلية بين البلدين.

كيف تصاعدت التوترات بين نيجيريا والنيجر؟

مستقبل مضطرب:

كشفت فرنسا مؤخراً عن خطط لإعادة صياغة حضورها في القارة الأفريقية؛ حيث ذكر الرئيس الفرنسي "ماكرون"، في لقاء مع السفراء الفرنسيين، في 6 يناير 2025، أن "فرنسا لا تتراجع في أفريقيا، بل تعمل على إعادة تنظيم نفسها فحسب". هذه التحركات جاءت في ظل ما تشهده صلات فرنسا بالقارة الأفريقية من تباعد تدريجي، وخاصةً على الصعيد العسكري والأمني خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ عام 2020. ويرتبط ذلك بانتهاء الوجود العسكري الفرنسي في إطار إقليم غرب أفريقيا، ولعل آخر مظاهر ذلك إعلان الرئيس الإيفواري "الحسن واتارا"، في 31 ديسمبر 2024، انسحاب القوات الفرنسية من البلاد بحلول يناير 2025، وقبل ذلك أكد رئيس تشاد "محمد إدريس ديبي" مغادرة القوات الفرنسية البلاد في مطلع ديسمبر 2024. وقد تزامن ذلك مع إعلان الرئيس السنغالي "باسيرو ديوماي فاي" أن جميع القوات الأجنبية ستغادر البلاد اعتباراً من عام 2025. وسبق ذلك خروج فرنسا من ثلاث دول من الإقليم: (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر) بشكل متتالٍ نتيجةً لتغير توجهات الأنظمة العسكرية الانتقالية، التي حملت توجهات معادية للوجود العسكري الفرنسي التقليدي. وفي ضوء ما سبق، باتت فرنسا أمام معضلة متصاعدة تتعلق بمسألة إعادة صياغة حضورها العسكري في القارة الأفريقية.

د. محمود زكريا

د. محمود زكريا

متجر MIR

الأكثر مشاهدة