د. محمد عباس ناجي

في خضم تصاعد حدة التوتر بين إيران وإسرائيل، خاصةً بعد أن بدأت الأولى في توجيه تهديدات بأنها سوف تقوم بالرد عسكرياً من جديد على الضربة التي شنتها الثانية في 26 أكتوبر 2024، كان لافتاً بروز دعوات، سياسية وإعلامية، على الساحة الداخلية الإيرانية إلى ضرورة تغيير النهج الحالي الذي تتبناه إيران إزاء القضية الفلسطينية بشكل عام.

لماذا تزايدت الدعوات لتغيير النهج الإيراني إزاء القضية الفلسطينية؟

تكلفة الدور:

لم تتضح بعد نتائج الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل ضد إيران، في 26 أكتوبر 2024. إذ ما زالت الرواية الإيرانية تعمد إلى "التهوين" من تلك النتائج، في مقابل الرواية الإسرائيلية التي تحرص على "التهويل" منها. وحتى مع إدلاء المرشد الأعلى للجمهورية "علي خامنئي" بأول تصريح حول تلك الهجمات، فإنه لم يشر إلى حدود أو مدى هذه النتائج، حيث اكتفى بتبني موقف متوازن دعا فيه إلى عدم "التضخيم أو التقليل من أثر الضربة".

لماذا يطالب المتشددون في إيران بالرد على الهجوم الإسرائيلي؟

رد الاعتبار:

وجّه 39 نائباً في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، في 9 أكتوبر 2024، رسالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يتولى إدارة ملفات السياستين الداخلية والخارجية، يطالبون فيها بتغيير السياسة الدفاعية للدولة. ومن دون شك فإن هذه الدعوة تأتي في خضم التصعيد العسكري الحالي بين إيران وإسرائيل، التي قد تقوم بشن هجمات عسكرية موازية ضد إيران في الفترة القادمة، رداً على الهجمات الصاروخية التي قامت إيران بتنفيذها في أول أكتوبر 2024. لكن الإمعان في مثل هذه الدعوات يوحي بأن الضغوط التي تفرضها التطورات الطارئة على الساحة الإقليمية قد تدفع إيران بالفعل إلى التوجه نحو اتخاذ إجراءات في هذا الصدد خلال المرحلة القادمة، وحتى قبل انتهاء الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل منذ أكتوبر 2023 على خلفية تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" داخل مستوطنات غلاف غزة في اليوم نفسه.

هل تتجه إيران نحو تغيير سياساتها الدفاعية؟

ارتدادات التصعيد:

يواجه نظام الجمهورية الإسلامية في إيران حالياً أصعب الاختبارات التي مر بها على مدى أكثر من أربعة عقود. فرغم أنه تعرض لأزمات خارجية عديدة منذ عام 1979، إلا أن الأزمة الحالية قد تكون الأكبر والأكثر خطورةً على بقائه في السلطة. ومع أنّ المرشد الأعلى للجمهورية "علي خامنئي"، حاول في الرسالة التي أصدرها، في 28 سبتمبر 2024، بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في الهجمات التي شنتها إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت قبل ذلك بيوم واحد، تأكيد أن هذا المتغير لن يؤثر على قوة وتماسك الحزب؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك مخاوف تنتاب النظام في إيران من التداعيات التي يمكن أن تنجم عن ذلك، خاصةً في ظل الاختراقات الأمنية التي يعاني منها حالياً، وبدا أبرز وآخر تجلياتها في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" داخل مقر أمني تابع للحرس الثوري في 31 يوليو 2024.

كيف تفكر إيران في مرحلة ما بعد حرب لبنان؟

المسارات الخَطِرة:

رغم تزايد الحديث عن تصاعد مستوى التعاون العسكري بين إيران وروسيا خلال المرحلة القادمة، في إطار سياسة مقايضة تقوم إيران بمقتضاها بمد موسكو بصواريخ باليستية مقابل قيام الأخيرة بمد طهران بمقاتلات "سوخوي 35" فضلاً عن قرب التوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي، إلا أن ذلك لم يمنع تجدد الانتقادات الإيرانية للسياسة الروسية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، ولا سيما إزاء أزمة إقليم ناجورنو كاراباخ.

ما أسباب تجدد الانتقادات الإيرانية للسياسة الروسية في القوقاز؟

مساومة موسكو:

رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على حادث سقوط مروحية الرئيس الإيراني السابق "إبراهيم رئيسي"، في 19 مايو 2024، والذي أسفر عن مقتله مع سبعة آخرين أبرزهم وزير الخارجية السابق "حسين أمير عبد اللهيان"؛ إلا أن الجدل حول سبب الحادث ما زال قائماً، على نحو كان له دور في حرص السلطات الإيرانية على إعادة التأكيد على أن السبب يعود إلى الظروف الجوية السيئة التي واجهت المروحية خلال عودتها من محافظة أذربيجان الشرقية. إذ أشار التقرير النهائي الذي أصدرته هيئة تحقيق خاصة في أول سبتمبر 2024 إلى أن ظهور كتلة كثيفة من الضباب الكثيف والمتصاعد بشكل مفاجئ أمام المروحية أدى إلى اصطدامها بالجبل ومن ثم سقوطها واحتراق جثث القتلى.

لماذا يتواصل الجدل حول سبب سقوط طائرة "رئيسي"؟

صراع أجهزة:

ظهرت الصين كثيراً في مُحرِّكات البحث خلال العامين الماضيين. ربما لا يكون ذلك جديداً أو مُفاجِئاً، خاصة أن الصين عملاق اقتصادي وشريك تجاري كبير على المستوى الدولي. لكن الجديد في الأمر هو أن هذا الظهور لم يكن نابعاً فقط من هذه القوة أو الشراكة، وإنما أيضاً من الدور الجديد الذي بدأت تضطلع به بكين، والذي بات يكتسي طابعاً سياسياً على الأقل في عناوينه الرئيسة.

كيف تفكر قيادة الصين في الأزمات الإقليمية والدولية؟

شواغل التجارة:

رحَّبت إيران بالقرار الذي اتخذه مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعه بالقاهرة في 7 مايو الجاري، بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومشاركتها في القمة العربية التي سوف تُعقد في الرياض في 19 من الشهر نفسه، ومنح الضوء الأخضر للرئيس السوري بشار الأسد للحضور شخصياً في هذه القمة، بعد غياب امتد إلى أكثر من 12 عاماً. وربما يتناقض ذلك مع تكهنات كثيرة أشارت إلى أن تطوير العلاقات بين سوريا والدول العربية لا يتوافق مع حسابات ومصالح طهران، وهي تكهنات توازت مع كشف تقارير عن إنزال أعلام إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها في أنحاء مختلفة من سوريا، مثل دير الزور والبوكمال والميادين وغيرها، في إشارة إلى تجاوب النظام السوري مع مطالب تبنتها الدول العربية قبل اتخاذ قرار عودة سوريا إلى الجامعة.

لماذا رحبت إيران بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟

نفوذ مؤمن:

أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية؛ علي خامنئي، في 7 يناير 2023، قراراً بتعيين العميد أحمد رضا رادان قائداً عاماً لقوى الأمن الداخلي، خلفاً للقائد السابق العميد حسين اشتري. ورغم أن القرار تم تبريره في إطار انتهاء مدة خدمة "اشتري"، فإن ذلك قد لا ينسجم مع حقيقة المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن استمرار الاحتجاجات واقترابها من تجاوز شهرها الرابع دون بروز مؤشرات توحي بإمكانية احتوائها خلال الفترة القادمة كانت السبب الرئيسي وراء إقالة "اشتري"، خاصة أنه من الصعب الإطاحة بمسؤول أمني على هذا المستوى في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الأزمة الداخلية بهذا الشكل، إلا إذا كان هناك دافع قوي للنظام للإقدام على اتخاذ تلك الخطوة، على غرار الفشل في مواجهة الاحتجاجات. وكان لافتاً أن "خامنئي" دعا "رادان"، في مرسوم تعيينه، إلى تحسين قدرات المؤسسة الأمنية وتدريب الشرطة المتخصصة لمختلف الإدارات الأمنية، بما يوحي بأن المرشد غير راضٍ عن أداء تلك المؤسسة في التعامل مع الاحتجاجات القائمة.

د. محمد عباس ناجي

د. محمد عباس ناجي

متجر MIR

الأكثر مشاهدة