نوار الصمد 

أثار تسلم المجر للرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة (من أول يوليو حتى نهاية ديسمبر 2024) قلق الأوساط الأوروبية لما للمجر من ممارسات سابقة منتظمة لعرقلة القرارات التي تُجمع عليها بقية دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا. ومن العوامل التي أدت إلى تفاقم هذا القلق هو أن هذا التسلم أتى بالتزامن مع التقدم الذي أحرزته أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، الأمر الذي قد يدفع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المحسوب على هذا التيار، إلى استغلال هذا التقدم من أجل التأثير على السياسات الأوروبية.

التأثيرات المحتملة للرئاسة المجرية للاتحاد الأوروبي

إضعاف الوحدة:

تُظهر كل استطلاعات الرأي التي أُجريت في فرنسا، منذ القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحل الجمعية الوطنية في 9 يونيو 2024، حلول الحزب المحسوب على تيار أقصى اليمين والمعروف باسم "التجمع الوطني" في المرتبة الأولى من نوايا تصويت الناخبين الفرنسيين في الانتخابات التشريعية المبكرة التي تبدأ جولتها الأولى في 30 يونيو 2024. وتذهب بعض الاستطلاعات الجديدة إلى حد إعطاء هذا الحزب نسبة 35% من الأصوات، أي أعلى من تلك التي حصل عليها في الانتخابات الأوروبية الأخيرة (31.4%). وفي محاولة لإيجاد تبرير للقرار الذي يرى فيه البعض أنه تسهيل لوصول اليمين المتطرف إلى السلطة في العام 2024، اعتبر ماكرون أن مثل هذه الخطوة هي من أجل منع وصولهم إلى الإليزيه في العام 2027. ولاحقاࣧ وفي معرض الرد على مطلب مارين لوبان بتقديم استقالته في حال فوز حزبها، أعلن ماكرون عبر رسالة وجهها إلى الفرنسيين في 23 يونيو 2024 أنه باقٍ معهم حتى نهاية عهده، مما يفتح الباب أمام العديد من السيناريوهات لكيفية حكم فرنسا في المرحلة اللاحقة.

ما فرص فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية؟

صعود سياسي:

جرت الانتخابات الأوروبية بين 6 و9 يونيو 2024 في توقيت تجتهد فيه أوروبا لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تحيط بها من كل جانب. وكانت الاهتمامات منصبة لمعرفة ما ستفضي إليه نتائج إدلاء نحو 360 مليون ناخب أوروبي من 27 دولة من أجل انتخاب 720 عضواً يشكلون البرلمان الأوروبي؛ وذلك لمعرفة ملامح الأغلبية التي ستحكم هذا البرلمان، ومدى تأثير التقدم الذي سيُحرزه اليمين المتطرف على توازنات القوى داخله.

ما الذي كشفت عنه نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي 2024؟

ضغوط اليمين:

أدى إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية في 15 مايو 2024 تعديلاً دستورياً يتعلق بزيادة عدد الناخبين في كاليدونيا الجديدة إلى إطلاق أعمال شغب عنيفة في العاصمة نوميا، ومقتل عدة أشخاص؛ ما دفع الحكومة الفرنسية إلى إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. واعتبر الانفصاليون في كاليدونيا الجديدة أن هذا التعديل يهدف إلى الإخلال بالتوازنات الديموغرافية المتعلقة بقوائم الانتخابات المحلية لتضمين الوافدين الجدد الذين أتوا إلى الجزيرة بعد عام 1998. ويؤدي هذا التعديل إلى زيادة نحو 25 ألف ناخب إضافي على القوائم الانتخابية السابقة، وهم من المقيمين على الجزيرة منذ أكثر من عشر سنوات على الأقل. وبالرغم من إعلان فرنسا السيطرة على الوضع الأمني في كاليدونيا، والكشف عن زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزيرة، فإن الأزمة كشفت عن تحديات عميقة لباريس في إطار تهديد النفوذ الفرنسي على الساحة الدولية.

كيف تؤثر الأزمة في كاليدونيا الجديدة على النفوذ الفرنسي؟

إرث باريس:

أجرى الرئيس الصيني شي جين بينج زيارة إلى فرنسا، خلال الفترة 5–7 مايو 2024. وتزامنت هذه الزيارة مع مناسبة مرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية الفرنسية–الصينية. وشهدت الزيارة التعرُّض لعدد من القضايا والملفات الرئيسية، في مقدمتها ملف التوترات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي والحرب في أوكرانيا؛ وذلك باعتبارهما من القضايا الرئيسية التي تشغل اهتمام الطرفين في اللحظة الراهنة، في ظل تصاعد الاتجاهات المعادية للاستثمارات الصينية في أكثر من دولة أوروبية، ناهيك عن اعتقاد العديد من الدول الغربية أن الصين يمكن أن تساعد بشكل كبير في إيجاد حل وإنهاء للحرب الدائرة في أوكرانيا إذا استخدمت أدواتها المتاحة للضغط على حليفتها موسكو وإقناعها بإنهاء الحرب.

هل نجحت زيارة الرئيس "بينج" إلى فرنسا في تحقيق أهدافها؟

دبلوماسية بكين:

تبنَّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً مواقف حازمة بشأن الصراع في أوكرانيا؛ الأمر الذي دفع جريدة لوموند إلى تشبيهه بالحمامة التي تحوَّلت إلى صقر. ولقد تحوَّل الخطاب الماكروني، في غضون سنتين من الصراع، من توخي الحذر نحو تبني إجراءات غير مسبوقة، كتلك التي ألمح إليها في مؤتمره الصحفي في 26 فبراير 2024؛ حيث ترك الباب مفتوحاً أمام إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا. وفي الخامس من مارس 2024 في براج، حث الحلفاء على إظهار الشجاعة لدعم أوكرانيا، متمايزاً عن الموقف الألماني. وتكررت تصريحات ماكرون القوية في 14 مارس 2024 أثناء مقابلة متلفزة اعتبر فيها أنه يجب منع روسيا من الانتصار، وأن انتصارها سيُغيِّر من حياة الشعب الفرنسي، كما أشار – في مقابلة مع جريدة Le Parisien، بعد عودته من قمة عُقِدت في برلين، تم نشرها في 16 مارس – إلى أن قوة فرنسا تتمثل في أنها قادرة على القيام بعمليات على الأراضي الأوكرانية من أجل مواجهة تقدُّم القوات الروسية.

مآلات التصعيد في خطاب الرئيس الفرنسي تجاه حرب أوكرانيا

تحولات ماكرون:

أتى انعقاد قمة "مثلث فايمار" Weimar Triangle في برلين، في 15 مارس 2024 ، بهدف جمع قادة فرنسا وألمانيا وبولندا حول موقف موحد بعد الخلافات التي كشف عنها الصراع في أوكرانيا مؤخراً. وفي كافة المراحل السابقة كان التحالف الفرنسي–الألماني يشكل حجر الزاوية في مشروع الوحدة الأوروبية، غير أن انتعاش "مثلث فايمار" يكشف أن لهذا التنسيق الثلاثي دوراً مستقبلياً في مسألة بناء الإجماع حول القضايا الأوروبية المحورية.

هل ينجح "مثلث فايمار" في تعزيز الوحدة الأمنية في أوروبا؟

التنسيق الاستراتيجي:

بثت حسابات روسية مقربة من الكرملين، على شبكات التواصل الاجتماعي، في الأول من مارس 2024، محادثة سرية لضباط رفيعي المستوى في سلاح الجو الألماني، كانوا يناقشون خلالها الاحتمالات النظرية لاستخدام صواريخ توروس Taurus الألمانية البعيدة المدى في أوكرانيا، التي كان المستشار الألماني أولاف شولتز قد رفض مراراً تسليمها إلى كييف في السابق، وهو التسريب الذي أثار حالة من الجدل حول قدرات روسيا وحدود اختراقها للمؤسسات الأمنية والعسكرية الغربية، ناهيك عن الكشف عن أوجه قصور عديدة لدى المؤسسات الألمانية. 

التداعيات المحتملة لتسريبات تسليم صواريخ توروس لكييف

إحراج ألمانيا:

انتقد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال لقاء انتخابي في 10 فبراير 2024 بولاية ساوث كارولينا، دول الناتو التي لا تحترم التزاماتها بتخصيص أموال كافية للموازنات الدفاعية، وأكد ترامب أنه لن يحمي هذه الدول، بل سيذهب إلى حد تشجيع روسيا على فعل "كل ما تريد" ضدها. ولقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل أوروبية غلب عليها طابع الاستياء؛ لما تُشكِّل من استخفاف بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ومحاولةً لمحاباة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حساب الدول الأوروبية، بالإضافة إلى اعتبارها تمهيداً استباقياً من قِبل ترامب لانسحاب أمريكي محتمل من الناتو إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

نوار الصمد

نوار الصمد

الإصدارات