نوار الصمد 

بعد تأخرهم في إدراك حجم التحديات، يجد الأوروبيون أنفسهم اليوم في سباق مزدوج ضد كل من روسيا والولايات المتحدة، حيث يسعون لضمان أمنهم وسط تغيرات متسارعة في المشهد الجيوسياسي. هذا الوضع المستجد يفرض عليهم إيجاد صيغة للتوفيق بين التعاون عبر الأطلسي واستقلالية القرار الأوروبي، خاصة مع نهج ترامب البراجماتي تجاه أوكرانيا الذي قد يعني تراجع الدعم الأمريكي أو إعادة ضبط العلاقات مع موسكو. في ظل هذا الغموض، تواجه أوروبا معضلة استراتيجية بين البقاء ضمن رؤية واشنطن المتغيرة، أو المضي في بناء سياسة دفاعية مستقلة.

كيف ستتعامل أوروبا مع سياسة ترامب تجاه أوكرانيا؟

اليقظة المتأخرة:

شهدت الانتخابات الألمانية الأخيرة تحولات جذرية في المشهد السياسي؛ حيث فاز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة فريدريش ميرتس بنسبة 28.6% من الأصوات (24.1% في الانتخابات السابقة)، مما مكنه من تصدر الساحة السياسية الألمانية كأقوى حزب، رغم تحقيقه واحدة من أدنى نسب الفوز في تاريخه. في المقابل، كان الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD الذي يقوده المستشار الحالي أولاف شولتز أبرز الخاسرين محققاࣧ أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية بنسبة 16.4% (25.7 % في الانتخابات السابقة)، ما يعكس انهياراࣧ حاداࣧ في شعبيته. كما شهدت الانتخابات صعوداࣧ تاريخياࣧ لحزب أقصى اليمين "البديل من أجل ألمانيا"، الذي حصل على 20.8% من الأصوات، ليصبح القوة السياسية الثانية في ألمانيا. وتميزت الانتخابات بنسبة مشاركة عالية بلغت 84% (في الانتخابات السابقة في عام 2021 بلغت حوالي 76%) وهي أعلى نسبة مشاركة منذ 40 عاماࣧ، مما يعكس اهتماماࣧ شعبياࣧ واسعاࣧ بتحديد مستقبل البلاد السياسي.

ما الذي كشفت عنه نتائج الانتخابات التشريعية في ألمانيا؟

فوز "ميرتس":

تعددت دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تطبيق فكرة "الشراء الأوروبي" أو "التفضيل الأوروبي" European Preference كما حصل في قمة القادة الأوربيين التي عُقدت في بلجيكا في 3 فبراير 2025، وفي اليوم الأول من قمة عمل الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في باريس، الموافق 9 فبراير 2025، وخلال المقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز في 14 فبراير 2025. ويَعتبر ماكرون أن تعزيز القدرات الصناعية داخل الاتحاد يشكل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة، ويقلل التبعية للولايات المتحدة في المجال الدفاعي. رغم ذلك، فإن هذه المبادرة تواجه تحديات داخلية نتيجة الانقسامات بين الدول الأعضاء والمخاوف من تداعيات اقتصادية وسياسية محتملة.

هل تنجح محاولة تعزيز الاستقلالية الدفاعية الأوروبية بعد عودة ترامب؟

الشراء الأوروبي:

بعد مرور عدة أيام على عملية إطلاق النار الجماعية التي وقعت في السويد، في 4 فبراير 2025، لا تزال الأجهزة الأمنية غير قادرة على تحديد الدوافع الرئيسية للمتورط في الحادث؛ حيث ذكرت الشرطة يوم 9 فبراير الجاري، أنها لا تزال تحاول تحديد دوافع منفذ الهجوم الذي وقع داخل مركز تعليمي في مدينة أوريبرو، وأسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا؛ ما شكَّل صدمة وطنية، وأثار تساؤلات حول تصاعد العنف في البلاد. ورغم أن هذه الجريمة قد نفذها مهاجم منفرد، فإنها أعادت الجدل حول الأمن الداخلي، وحيازة الأسلحة، ودور التغطية الإعلامية في مثل هذه الأحداث.

كيف ستواجه السويد تداعيات حادثة أوريبرو؟

القتل الجماعي:

قرر الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في بروكسل، يوم 27 يناير الماضي، تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011. وتهدف هذه الخطوة إلى حض الحكومة السورية الجديدة على الشروع في عملية انتقال سياسي شاملة. وقد تم التوصل إلى توافق سياسي أوروبي على تخفيف العقوبات في قطاعي الطاقة والنقل، في حين لم يُحسم بعد ما إذا كان القطاع المالي سيُدرج ضمن هذا التخفيف فوراࣧ.

دلالات قرار الاتحاد الأوروبي بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا

الانفتاح المشروط:

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أطلق رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، في 20 يناير 2025، تحذيرات قوية مفادها أن فرنسا وأوروبا مهددتان "بالسحق" إن لم تتَّخذا إجراءات لمواجهة سياسات الرئيس الأمريكي الجديد. تنبع هذه المخاوف من الطبيعة التصادمية للنهج الذي يتبنَّاه ترامب، والذي قد ينعكس على المصالح الأوروبية على عدة مستويات.

لماذا تتزايد المخاوف الفرنسية من سياسات الرئيس الأمريكي "ترامب"؟

تحذيرات "بايرو":

دخل لبنان تحولاً سياسياً إضافياࣧ مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية، في خطوة تُعد ترجمة للقطع مع المراحل السابقة. وجاءت هذه الخطوة بعد عملية استشارات نيابية ملزمة تم إجراؤها في 13 يناير 2025 وحصل فيها سلام على دعم 84 نائباً، متقدماً على نجيب ميقاتي الذي نال 9 أصوات فقط، في حين امتنع 35 نائباً عن التصويت. وعلى الرغم هذا الدعم النيابي الواسع الذي حصل عليه سلام، فإن عملية التكليف لم تخلُ من الغموض والضبابية، حيث بدلت العديد من الكتل النيابية مواقفها في غضون ساعات (منها من أعلن دعم مرشح قبل الظهر، وقام بتسمية مرشح آخر بعض الظهر)، ومن المواقف الحادة كان موقف الثنائي الشيعي (أي حزب الله وحركة أمل)، الذي امتنع عن تسمية أي مرشح، على اعتبار أنه جرى الانقلاب على التفاهمات التي جعلته يشارك في عملية انتخاب الرئيس جوزيف عون والتي كانت بنظره يجب استكمالها عبر اختيار المرشح الذي يدعمه إلى منصب رئاسة الحكومة وهو نجيب ميقاتي.

هل ينجح رئيس الوزراء الجديد في التعامل مع أزمات لبنان؟

فرص "سلام":

في التاسع من يناير 2025، انتهى الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من عامين في لبنان، بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية، في عملية انتخابية أثارت جدلاً دستورياً واسعاً. حصل عون على 99 صوتاً من أصل 128 نائباً في الجولة الثانية من التصويت، بعد أن نال 71 صوتاً فقط في الجولة الأولى؛ ما عكس تحولاً حاسماً في مواقف بعض الكتل النيابية خلال فترة قصيرة. هذا الجدل الدستوري نبع من المادة 49 من الدستور اللبناني، التي تمنع انتخاب كبار موظفي الدولة خلال فترة توليهم مناصبهم أو خلال أقل عامين من انتهاء خدمتهم؛ ما تطلب تعديلاً ضمنياً للدستور لتجاوز هذه العقبة.

لماذا نجحت عملية انتخاب رئيس جديد للبنان؟

فوز "عون":

في مشهد سياسي يغلب عليه التعقيد وتراكم الأزمات، تُطرح التساؤلات حول قدرة فرانسوا بايرو على الصمود في رئاسة الحكومة الفرنسية أكثر من سلفه ميشيل بارنييه، الذي لم يستطع تجاوز 91 يوماً كرئيس حكومة مكتمل الصلاحيات. ويدخل بايرو الذي تم تكليفه في 13 ديسمبر 2024 إلى قلب السلطة التنفيذية محمّلاً بآمال إصلاحية، ولكن محاصراً في الوقت نفسه بتناقضات المشهد السياسي الفرنسي. فعلى الرغم من محاولاته لإظهار استقلاليته عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غير أنه ما زال يواجه ضغوطاً متزايدة من المعارضة والكتل المؤثرة. فهل سينجح هذا السياسي المخضرم في إعادة بناء الثقة ونسج تحالفات صلبة تقي حكومته من السقوط؟ أم أن الضغوط البرلمانية والخلافات مع الإليزيه ستدفع به نحو مصير مشابه لبارنييه؟

نوار الصمد

نوار الصمد

متجر MIR

الأكثر مشاهدة